للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتهاد والتحري. وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ووجهه أنه يمكنه التوصل إلى عين ما أحرم بالاجتهاد، فجاز له ذلك كما لو شك في عين القبلةِ يجتهد، ويعمل على ما يؤدي اجتهاده إليه، وقال في "الأم" و"الإملاء": عليه أن يأخذ باليقين، وهو أن يقرن، وهو الصحيح لأنه شك في العبادةً بعد التبس بها، فلا يجوز له الاجتهاد فيها كالمصلي إذا شك في عدد ركعات الصلاةَ لا يتحرى، وقال أحمد: يجعل ذلك عمرةً وبناه على أصله في جواز فسخ الحج إلى العمرةِ، فإذا قلنا بالقول الأول تحرى، فإذا غلب على ظنه شيء عمل عليه من إفراد أو تمتع أو قران، ويستحب له أن ينوي القران أيضًا، وإذا قلنا بالمذهب، فعليه أن يحدد نية القران ولا يكفيه أن يقرن من دون هذه النيةَ، وقد نقل المزني: فهو قارن وليس على ظاهره، بل المراد به ما ذكرنا لأنه إذا أقرن أتى القران على ما كان أحرم به، فإذا نوى ذلك بقي الكلام في فصلين:

أحدهما: فيما يصح من نسكه (٠)

والثاني: فيما عليه من الدم، فأما النسك، فالحج يصح بلا إشكال لأنه خرج مما دخل فيه بيقين لأنه إن كان أحرم به [٦٨/ أ] فقد انعقد، وإن كان أحرم بالعمرةَ فقد أدخل عليها الحج، ويجوز إدخاله على إحرام العمرةَ، فإن قلنا: يجوز إدخال العمرةَ على الحج أجزأته، وإن قلنا: لا يجوز ذلك لم تجزيه ثمرته، وعليه أن يقضيها

وقال أبو إسحاق: تجوز عمرته ههنا قولًا واحدًا لأنا إنما قلنا لا يجوز إدخال العمرةَ على الحج في غير حال الاشتباه لعدم الحاجةَ، فأما في حال الاشتباه فيجوز للحاجةَ، وهذا ضعيف، وأما الدم فكل موضع قلنا: هو قارن وتجوز عمرته مع الحج، فعليه دم القران، وكل موضع قلنا: صح له الحج دون العمرةَ، فالمذهب أنه لا يلزمه الدم لأنه لم تجز عمرته لا يصير قارنًا، فلا يلزمه دم القران، ومن أصحابنا من قال: يلزمه الدم احتياطًا. قال صاحب "الحاوي" (١): وهذا أصح لأنا أمرناه بإعادة العمرة احتياطًا للفرض أيضًا، وكان المضي فيهما واحدًا، وقد نوى القران بلا إشكال هذا إذا اشتبه قبل التلبس بشيء من أعمال الحج، فأما إذا طرأ هذا الشك بعد وقوفه بعرفه، فعليه أن يمضي في أفعال الحج، فيطوف ويسعى، ويحلق ويرمي، وقد حل إحرامه بيقين لإتيانه بأفعال النسكين كمالاً (٢)، ولا يسقط عنه فرض الحج ولا العمرةَ بحال لأنه إن كان حاجّاً أدخل العمرةَ عليها بعد الوقوف، فلم تجزه العمرة، وإن كان معتمراً، فقد دخل الحج بعد فوات الوقوف، فلم يجزه الحج، وكذا لو طرأ هذا الشك قبل الوقوف بعد الطواف، فيحتمل أن يكون هذا طواف العمرةَ، ويحتمل أن يكون طواف القدوم، فإذا نوى القران بني ذلك على القران في إدخال العمرة على الحج، فإن قلنا: لا يجوز؛ فلا يحتسب له بحج ولا عمرةً، لأنه يحتمل أن يكون حاجّاً، فالعمرةَ لم تنعقد له ويحتمل أن يكون معتمراً، والمقيم إذا طاف لا يجوز له إدخال الحج على عمرته،


(١) انظر الحاوي للماوردي (٤/ ٨٦).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط في المخطوط استدركتاه من الحاوي للما وردي (٤/ (٨٦)).

<<  <  ج: ص:  >  >>