كما لا يلزمه الاجتهاد في طلب الدليل، ولأن كل واحد منهم هو من أهل الاجتهاد، فكان له إتباعه ولا
يلزمه الأخذ بالأحوط، كما لا يلزمه الأخذ بما أجمعوا عليه، مثل أن يمتنع من بيع المكيل متفاضلًا. وقد قال الشافعي في الأعمى، كل من دله من المسلمين على القبلة ويتبعه إتباعه ولم يأمر بالاجتهاد وفي الأوثق، ولأن في خبر العسيف قال والد الزاني: فسألت رجلًا من أهل العلم وهناك رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الكل ولم ينكر عليه.
فرع آخر
استفتى عالمين فأفتياه بجواب متفق عمل عليه بلا إشكال، فإن أفتياه بجوابين مختلفين، فعلى قول ابن سريع يجتهد في الأوثق والأدين، وعلى قول غيره من أصحابنا فيه أوجه:
أحدها: يعمل بقول من شاء منهما وهو الأصح؛ لأنه يجوز قبول قول كل واحد منهما على الانفراد.
والثاني: يأخذ بأغلظ القولين احتياطًا، وهذا غلط؛ لقوله تعالى:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[المائدة: ٦].
والثالث: يأخذ بالاثنين والأخف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"بعثت بالحنفية السمحة السهلة" وهذا أيضًا غلط؛ لأن هذا صفة لجهة الشريعة؛ لأن في أحكامها ما يشق على المحكوم عليه مثل ما يحتسبه المحرم، والغسل في شدة البرد، ومثل ذلك.
[١٣ أ/ ١] والرابع: أن يتبع آمنهم عنده، فإن استويا قلد أيهما شاء، لأن الشافعي قال في القبلة: إن اختلفوا على الأعمى تبع آمنهم وأبصرهم ويفارق قبل السؤال حيث لا يلزمه الاجتهاد، بخلاف ما قاله ابن سريج، لأن في الاجتهاد في أعيانهم مشقة، وليس في الرجوع إلى الأوثق في نفسه مشقة بعد السؤال، ومن قال بالأول أجاب عن هذا، وقال: هذا يفارق استقبال القبلة؛ لأنه قد يكون له في إتباع أحدهما هاهنا غرض، ولا غرض في استقبال القبلة، ولا شك في القبلة في إتباع الأوثق.
والخامس: أنه يأخذ بقول الأول لأنه لزمه حين سأله، وهذا أيضًا ضعيف.
فرع آخر
إذا قلد مرة في حادثة ثم نزلت مرة أخرى، فإن تيقن أنه أفتاه عن نص لا يحتمل
التأويل لا يلزمه السؤال ثانيًا بلا إشكال، وإن لم يعلم هذا ففيه وجهان: أحدها: يلزمه السؤال لجواز تغير اجتهاده وهو الأصح، واختاره القفال.
والثاني: لا يلزمه لأنه عرف حكم الحادثة، والظاهر بقاء رأي المفتى عليه، وهو كالوجهين فيمن صلى الظهر إلى جهة باجتهاده ثم حضرته العصر، هل يعمل على