للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطواف. ويفعل ثلاثة منها بمنى, ويستحبّ الترتيب فيها هكذا, فإن تقدم النحر على الرمي أجزأه, ولا دم عليه, وكذلك إن قدم الحلق على النحر, لا شيء, وإن قدم الحلق على الرمي, فإن قلنا: الحلق نسك, فلا شيء عليه, وإن قلنا: إطلاق محظور, فعليه دم لأنه أتى بمحظور الإحرام قبل التحلّل.

وقال أبو حنيفة: إذا قدم الحلاق على الذبح يلزمه دم إن كان قارنًا, أو ممتعًا, وإن كان مفردًا, فلا شيء عليه, وإذا قدمه على الرمي وجب دم. وقال مالك" إذا قدم الحلاق على الذبح, فلا شيء عليه, وإذا قدمه على الرمي وجب دم.

وقال أحمد: هذا الترتيب على ما ذكرنا واجب, فإن قدم الحلاق على الرمي, أو الذبح, فإن كان ساهيًا أو جاهلاً, فلا شيء عليه, وإن كان عامدًا, ففي وجوب الدم روايتان, واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بهذه الأشياء على الترتيب. وقال: "خذوا عني مناسككم", وهذا غلط لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عام حجة الوداع بمنى ليسأله الناس, فقال رجل: يا رسول الله لم أشعر نحرت قبل أن رميت, فقال: "افعل ولا حرج" (١). قال عبد الله بن عمرو ابن العاص, فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ عن شيء قدم ولا أر إلا قال: "افعل ولا حرج", وأما فعله فمحمول على الاستحباب بدليل هذا الخبر.

مسألة: قال (٢): ويأكل من لحم هديه.

لا يجوز أن يأكل من الهدي الواجب عليه في الإحرام, وهو هدي القران والتمتع وجزاء الصيد وغير ذلك من محظورات الإحرام.

وقال أبو حنيفة: يجوز [١٤٣/ ب] أن يأكل من دم القران والتمتع دون غيرهما, وقال مالك: يجوز أن يأكل من كلها إلا من جزاء الصيد, وفدية الأذى لأنهما وجبا بالإتلاف, ويجوز أن يأكل عندنا من التطوع من الهدي, والأضحية, ولكن لا يجوز أن يأكل جميعها, ولا بد أن يتصدق بشيء منهما, وإن قل والهدي المطلق المتطوع به. ويسمى هديًا, وهديه اشتقاقًا من الإهداء.

وقال ابن سريج: يجوز أن يأكل كلها, وليس هـ ١ ابمذهب الشافعي, ولا يجب الأكل منها. وقال أبو حفص بن الوكيل: يجب أكله, فلو أطعم كله الفقراء لم يجز لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: ٢٨] , وهذا غلط لأن المقصود به: القربة, ولذلك سمي قربانًا, والقربة في إطعام الفقير لا في أكله, وأما الآية فهي أمر إباحة, لأنه بعد حظر فلا يكون واجبًا. وأما في القدر المستحبّ قولان:

أحدهما: المستحبّ أن يأكل النصف, ويتصدق بالنصف, لأن الله تعالى قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] , وظاهر هذا أن يكون نصفين.


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (٤٢١) , والبخاري (٨٣, ١٢١, ١٧٣٦, ١٧٣٨, ٦٦٦٥) , ومسلم (٣٢٧/ ١٣٠٦) , وأحمد (٢/ ١٥٩, ١٩٢) , وابن خزيمة (٢٩٥١).
(٢) انظر الأم (٢/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>