للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعُ

كل من رمى اليوم الثالث راكبًا بعد الزوال سار علي وجهه إلى منى، فإذا انصرف الليلة الرابعة عشر وأتى المحصب، وهو الأبطح، وهو خيف بني كنانة وحده من الحجون وما عن الجبل الذي إليه المقبرة إلي الجبل الذي يقابله وسمي المحصب لأن حصى جمرة العقبة يسيل إليه، وقيل: سمي به لأنه موضع كثير الحصى نزل هناك استحبابًا. هكذا ذكره أبو حامد، وظاهر كلام الشافعي، أنه لا استحباب فيه، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، إن اختار ذلك، ثم أفاض في جوف الليل إلي مكة. هكذا فعل عمر رضي الله عنه، قال الشافعي: وليس المحصب بنسك، وإنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله. وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع بها هجعة، ثم دخل مكة (١)، قالت عائشة رضي الله عنها: إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب ليون أسمح لخروجه وليس بسنة من شاء نزله ومن شاء لم ينزله (٢).

وقال أبو رافع وكان علي ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ضربت له قبة بالمحصب، ولم يأمرني بذلك، ثم نزل فيها (٣). وروي عن عم أنه قال: هو نسك. ويروى أيضًا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

مسألة: قال (٤): ويفعل بالصبي في كل أمره ما يفعل الكبير.

عندنا للصبي حج شرعي صحيح، وكذلك العمرة، فإن بلغ حد التمييز فأحرم بحج، أو عمرة صح إحرامه، وانعقد [١٥٧/أ] وإن كان غير مميز فأحرم عنه وليه، انعقد الإحرام وصار الصبي محرمًا به، ويتجنب ما يتجنبه المحرم، فإن فعل شيئًا من محظورات الإحرام تلزمه الفدية، وإن بلغ الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام، ولا يحتاج إلي استئناف الإحرام. وبه قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة: ليس له حج شرعي، ولا ينعقد إحرامه به. ولا يصير محرمًا بإحرام الولي عنه، ولكنه لو أحرم الولي عنه يتجنب ما يتجنبه المحرم امترانًا واعتيادًا، ولا تلزمه الفدية بارتكاب محظوراته، وهذا غلط لما روى ابن عباس، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بركبه في الروحباء، فقالوا: من القوم؟ فقالوا: المسلمون، فمن القوم؟ فمن القوم؟ فقالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفعت إليه امرأة صبيًا لها من محفتها، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ فقال: "نعم، ولك أجر" (٥)، وقال السائب بن يزيد: حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأنا ابن تسع سنين (٦). وقال عقبة بن


(١) أخرجه البخاري (١٧٥٨).
(٢) أخرجه البخاري (١٧٦٥)، ومسلم (٣٤٠/ ١٣١١).
(٣) أخرجه مسلم (٢٤٢/ ١٣١٣).
(٤) انظر الأم (٢/ ٩٢).
(٥) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٤٢٢)، ومسلم (٤٠٩/ ١٣٣٦)، وأبو داود (١٧٣٦)، والترمذي (٩٤٢)، والنسائي (٥/ ١٢١)، وابن ماجه (٢٩١٠)، وأحمد (١/ ٢١٩).
(٦) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٩٧١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>