والثالث: أنه اسم لمسافة الرمي، فيما بين موقف الرامي والهدف ولئن طال الكلام بتفسير هذه الأسماء، فلا غنى عنها، لتعلق الأحكام بها.
فصل:
فإذا تقررت هذه الجملة، فقد اختلف أصحابنا في تأويل هذه المسألة على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها مصورة في قدر المسافة التي يجوز أن يتناضلا إليها، وحد أقلها ما يجوز أن يخطئ فيه الرماة لبعده، وأما ما لا يجوز أن يخطئوا فيه، لقربه فالنضال عليه باطل، وحد أكثرها ما يجوز أن يصيب فيه الرماة لقربه.
فأما ما لا يجوز أن يصيبوا فيه لبعده، فالنضال عليه باطل، وهذان الحدان في الأقل والأكثر هما حداًّ تحقيق لمعناهما وحدهما بالمسافة حدّ تقريب من غير تحقيق، ولأكثر المسافة على التقريب معتاد ونادر فأما حدّه المعتاد على التقريب فهو مائتا ذراع، لما روي أن رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم عليه من غزاة، ووصف له حربهم فيها، فقال: كنا نحارب العدو، فإن كانوا منا على مائتي ذراع رميناهم بالسهام، وإن كانوا دونها رضخناهم بالأحجار، وان كانوا أقرب من ذلك طعناهم بالرماح، وإن كانوا أقرب إلينا ضربناهم بالسيوف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا هو الحرب" ..
وأما حدّه الثالث على التقريب، فهو ثلاثمائة ذراع؛ لأن في الرماة من يصيب منه.
والإصابة في الزيادة عليها متعذرة.
وحكي أنه لم ير أحد كان يرمي على أربع مائة ذراع، ويصيب إلا عقبة بن عامر الجهني، وهذا شاذ في النادر إن صح، فلا اعتبار به، ولا يصح العقد عليه فإن عقد النضال على أكثر المسافة المعتادة، وهي مائتا ذراع صح العقد إذا كان مثل الراميين يصيب فيهما، وان كان مثلهما لا يصيب منها، لم يصح العقد، وان كان مثلهما قد يصيب منها، ففي صحة العقد وجهان:
أحدهما: يصح لإمكان إصابتهما منها كالمسافة المعتادة.
والثاني: أنه باطل؛ لأن النادر غرر، والغرر في العقود مردود بالنهي عنه، وحكم ما بين المعتاد والنادر، فيلحق بأقربهما إليه، فإن كانت الزيادة على المائتين أقل من خمسين، فهو من المعتاد، وان كانت أكثر من خمسين فهو في النادر.
وأما عقده على ما زاد على الثلاثمائة فإذا كثرت الزيادة بطل العقد على ما زاد على الثلاثمائة، فإن كثرت الزيادة بطل العقد بها، وإن قلت الزيادة كانت حكم الثلاثمائة في الصحة والفساد وهو معنى قول الشافعي؛ لأن إغفال ذكره في العقد يبطله، فصار من لوازمه.
والقسم الثالث: ما اختلف أصحابنا فيه، وهو: هل الإصابة من القرع إلى الخسق،