للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعلة الأشباه لأنه قال: وإنما حرمنا غير ما سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المأكول المكيل والموزون لأنه في معنى ما سمى. فجعل في المكيل والموزون الربا بعلة الأصل ثم قال بعد هذا؟ وما خرج من الكيل والوزن من المأكول والمشروب فقياسه على ما يؤكل ويكال أولى من قياسه على ما لا يكال ولا يؤكل، فجعل ملحقاً بالأصل من حيث الشبه. وقال آخرون من أصحابنا: بل فيه الربا على الجديد بعلة الأصل لا من حيث الشبه وإنما قال الشافعي ما احتج به الأولون ترجيحاً للعلة. والله تعالى أعلم.

فصل

فأما علة الربا في الذهب والفضة فمذهب الشافعي أنها جنس الأثمان غالباً. وقال بعض أصحابنا قيم المتلفات غالباً. ومن أصحابنا من جمعهما وكل ذلك قريب. وقال أبو حنيفة: العلة فيهما أنه موزون جنس فجعل علة الذهب والفضة الوزن كما جعل علة البر والشعير الكيل، ودلائله في المسألتين مشتركة ثم خص الاحتجاج في هذه المسألة بترجيح علته وإفساد علتنا. واحتج لذلك بثلاثة أشياء:

أحدهما: أن ثبوت الربا في الذهب والفضة مستفاد بالنص ولا فائدة في استنباط علة يستفاد منها حكم أصلها حتى لا يتعدى إلى غيرها والتعليل بالوزن متعد وبالأثمان غير متعد.

والثاني: أنه لو جاز تعليل الذهب والفضة بكونهما ثمناً وذلك غير متعد. لجاز تعليلهما بكونهما فضة وذهباً، فلما لم يجز أن يعلل الذهب بكونه ذهباً ولا فضة بكونهما فضة لعدم التعدي لم يجز أن يعللا بكونهما ثمناً لعدم التعدي.

والثالث: أن التعليل بالأثمان منتقض في الطرد والعكس فنقض طرده بالفلوس، هي أثمان في بعض البلدان ولا ربا فيها عندكم. ونقضه عكساً بأواني الذهب والفضة ليست أثماناً وفيها الربا، والتعليل بالوزن مستمر لا يعارضه نقض في طرد ولاعكس.

والدليل على صحة علتنا وفساد علته مع ما قدمنا من الدليل من قبله ثلاثة أشياء:

أحدها: أن التعليل بالوزن يثبت الربا في الموزون من الصفر والنحاس والقطن والكتان، ولو ثبت فيه الربا بعلة الوزن كما ثبت في الذهب والفضة بهذه العلة لوجب أن يستوي حكم معموله ومكسوره في تحريم التفاضل فيه كما استوى حكم معمول الذهب والفضة ومكسوره في تحريم التفاضل فيه. فلما جوزوا التفاضل في معمول الصفر والنحاس دون مكسوره وتبره حتى أباحوا بيع طشت بطشتين وسيف بسيفين ولم يجوزوا التفاضل في معمول الفضة والذهب، ومنعوا من بيع خاتم بخاتمين وسوار بسوارين دل على افتراقهما في العلة واختلافهما في الحكم ولو اتفقا في العلة لاستويا في الحكم فبطل أن يكون الوزن علة الحكم.

والثاني: أنه لو كان الوزن في الذهب والفضة علة يثبت بها الربا في موزون الصفر والنحاس لوجب أن يمنع من إسلام الذهب والفضة في الصفر والنحاس لاتفاقهما في علة الربا كما منع من إسلام الفضة في الذهب لاتفاقهما في علة الربا.

فلما جاز إسلام الذهب والفضة من الصفر والنحاس ولم يجز إسلام الفضة في

<<  <  ج: ص:  >  >>