للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما الذي يعد للأكل كالزيت والشيرج وزيت الفجل ودهن الجوز وحب الصنوبر ونحوها يجري فيها الربا. وقد قال الشافعي: ودهن الصنوبر والخردل والحب الأخضر كلها مأكولة بعد استخراجها ومأكولة الأصل قبل استخراجها ففيها الربا لأنها إن كانت معتبرة بأنفسها فهي مأكولة فلم تحل في كلا الحالين من ثبوت الربا فيها ويجوز بيع بعضها ببعض من جنسه متماثلاً، وإن مست النار أصول بعضها لأنها [٩/ب] قد بلغت حالة الادخار، ولا يختلف أصحابنا في شيء من ذلك إلا الشيرج، فإن المذهب أنه يجوز بيع بعضه ببعض متساوياً.

وقال أبو إسحاق: لا يجوز بيع بعضه ببعض أصلاً، لأنه شيرج وماء وملح وهذا غلط لأن الماء لا يمازج الدهن وكذلك الملح بل يبقيان في الكسبة ويخلص الشيرج عنها ويبقى فيه طعم الملح لا عينه وذلك لا يؤثر، ولو باع جنساً بجنس آخر يجوز على ما ذكرنا ولا خلاف في ذلك إلا في زيت الزيتون وزيت الفجل، فإن الشافعي نص فيه على قولين:

أحدهما: أنهما جنسان لأنهما مختلفان أحدهما من شجر والأخر من نبات، ويخالف أحدهما صاحبه في الطعم واللون والريح، وهذا أشهر وأصح، لأن الشافعي قال: وقد يعصر من الفجل دهن يسمى زيتاً وهو مباين للزيت.

والثاني: أنهما جنس واحد لأنه يجمعهما اسم الزيت، ويحتمل أن هذين القولين مأخوذان من القولين في اللحمان. ولا يجوز بيع الزيت بالزيتون ولا بيع الشيرج بالسمسم المدقوق ويجوز بيع الدهن بالكسبة لأنهما جنسان، وقال بعض أصحابنا: لا يجوز [١٠/أ] لأنها لا تنفرد عن الدهن وإن قل، فإن كان فيها دهن فلا يجوز، وإن لم يبق فيها الدهن فعلى ما ذكرنا يجوز.

وأما الدهن الذي يعد للدواء كدهن اللوز المر، ودهن الخروع وحب المشمش يجري فيه الربا لأنه مأكول ولكنه دواء كالسقمونيا.

وأما الدهن الذي يعد للطيب مثل دهن الورد ودهن البنفسج والياسمين، اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال: لا ربا فيه لأنه لا يعد للأكل بل يقصد رائحته وطيبه ويستعمل طلاء، ومنهم من قال: فيه الربا وهو الأصح لأنه يستخرج وهو مأكول وإذا طيب لا يخرج من أن يكون مأكولاً ولكن يعد بما هو أعلى من الأكل فهو كالزعفران. فإذا قلنا: هذا يجوز بيع بعضه ببعض متماثلاً وهذا إذا طرح على السمسم ورداً أو بنفسجاً حتى يطيبه ثم يميز عنه ويكرر ذلك ويطحن بعده فالرائحة فيه رائحة مجاورة لا مخالطة والدهن خالص فأما إذا طبخ مع الورد والبنفسج فلا يجوز بيع بعضه ببعض أصلاً لأنه يختلط به أجزاء الورد والبنفسج وقيل: هذا الدهن لا يؤكل عرفاً ولكنه مستخرج من أصل مأكول ففي أحد [١٠ أ/٦] الوجهين لا ربا اعتباراً بأصله وعلى هذا يجوز بيع دهن الورد بدهن البنفسج والشيرج متماثلاً لأن الأصل واحداً وإنما تختلف رائحتهما ولونهما.

وقال أصحاب أبي حنيفة: يجوز متفاضلاً إذا اختلف طيبه فيجوز دهن الورد بدهن الخيري والبنفسج متماثلاً لأن مقصودهما مختلف ويجوز أيضاً بغير الطيب متفاضلاً وهذا غلط لأنه فروع لأصل واحد فيه الربا فصارت كالأدقة من أنوع الحنطة فإن قيل أليس كل واحد منهما يختص باسم؟ قلنا: أصل الكل من السمسم والاسم الخاص يجمع الكل وهو الدهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>