فإذا قلنا: يفتقر إلى معرفتهما لم يفتقر إلى إذن المضمون عنه ورضاه وجهًا واحدًا، وهل يفتقر إلى قبول المضمون له؟ قال صاحب "الإفصاح": لا يصح إلا بقبوله، وبه قال أبو حنيفة ومحمد، إلا في مسألة وهي إذا قال المريض لبعض ورثته: اضمن عني فضمن جاز، وإن كان الغرماء غيبًا ولم يسلم الدين استحسانًا، وهذا غلط لأنه إثبات مالٍ لآدمي فلم يثبت إلا بقبوله، كما في البيع والشراء.
وقال ابن سريج: فيه [٢٠/ أ] وجه آخر، لا يفتقر إلى قبوله وهو اختيار ابن أبي أحمد لأنه قال: ويتم الضمان بالضامن وحده إذا علم لمن هو، وكم هو، وإلى متى هو، وعلى من هو؟ وبه قال أبو يوسف، لأن عليًا وأبا قتادة رضي الله عنهما ضمنا من غير قبول المضمون له وأجازة النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا قلنا بالأول فضمن لرجلٍ مالًا فإن قبل صح ولزم، وإن لم يقبل حتى رجع الضامن فيما ضمن صح رجوعه، كما يرجع البائع عن الإيجاب قبل قبول المشتري.
فإن قال قائل: أليست الكفالة بالبدن لا تجوز إلا بإذن المكفول عنه؟ فالكفالة بالحال واجب أن لا تجوز إلا بإذن المضمون عنه. قلنا: الفرق أنه لا يمكن إحضاره إلا بإذنه فلا يصح إلا بإذنه، وأداء المال يمكن من غير إذن من عليه فجاز بغير إذنه.
ومن أصحابنا من قال: لو خاطب المضمون له بالضمان فتمام الضمان موقوف على المضمون له بلا خلاف.
وهل يشترط قبوله أو رضاه؟ وجهان:
أحدهما: وهو اختيار ابن سريج يشترط قبوله لفظًا لأنه عقد وثيقة يفتقر إلى لفظ الضامن فيفتقر إلى لفظ المضمون له كالرهن، فعلى هذا لو تراخى القبول لم يجز، كما في البيع والرهن.
والثاني: لا يفتقر إلى قبوله لفظًا، لأن الضمان لو كان كالرهن لا يفتقر إلى مواجهة فدل على أنه موقوف على الرضا دون القبول، فعلى هذا إذا رضي بما يدل على الرضا في مجلس الضمان جاز، وإن تراخى عن حال الضمان.
وإن لم يظهر منه الرضا بالضمان حتى فارق المجلس لا ضمان وللضامن أن يرجع عن ضمانه قبل رضا المضمون له، لأن الضمان لم يتم وإن رضي بالضمان لا رجوع للضامن فيه لأنه تم.