للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحدٍة من الذمتين وله مطالبة من شاء منهما به، سواء كان قادرًا على قبضه من المضمون عنه أو غير قادر عليه، لأن الضمان ليس بنقل الدين عن الذمة، بل هو انضمام ذمة إلى ذمٍة، وبه قال أبو حنيفة وعامة الفقهاء. وقال [٢٠/ ب] ابن أبي ليلى وابن شبرمة تبرأ ذمة المضمون عنه وينتقل الحق إلى ذمة الضامن كما في الحوالة، ولكن لو تعذر استيفاؤه من الضامن يرجع إلى المضمون عنه، وكذلك في الحوالة وهو قول داود واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه: "فكَّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك" وقال صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة: "هما عليك والميت منهما بريء". ولأن بقاء الدين عليه يؤدي إلى أن يصير الدين الواحد دينين وهذا لا يجوز. وهذا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خبر أبي قتادة: "الآن برّدت على أخيك جلده" فلو تحول الحق بعقد الضمان لبرّد عليه جلده بعقد الضمان قبل الأداء وإنما قال هذا بعد الأداء ولأنه وثيقة أطلق فلا يتحول الحق بها كالرهن. وأما الخبر الأول قلنا: كان امتناع من الصلاة عليه وبالضمان فكَهُ من هذا حتى صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الخبر الثاني قلنا: أراد أن الميت بريء من الرجوع في تركته وأنك تؤدي متطوعًا. وأما قوله: يصير الدين الواحد دينين غلط لأنه لا يأخذ منهما بل يأخذ من أحدهما، وإن كان يتعلق بهما حق الاستيفاء كما يتعلق بذمة الراهن وعين المرهون. وقال مالك فيما حكى أصحابنا عنه لا يطالب الضامن إلا تعذر مطالبة المضمون عنه: وبه قال أبو ثور وجعله ابن أبي هريرة قولًا محتملًا وجعله لنفسه وجهًا. وهذا غلط لأن الحق تعلق بالذمتين فله استيفاؤه من كل واحدٍ منهما كما لو ضمن الحق ضامنان. وقال محمد بن جرير: له الخيار في أن يبتدئ بمطالبة أحدهما عنه، فإذا طالب أحدهما عنه، فإذا طالب أحدهما لم يكن له مطالبة الآخر بشيء وهذا أيضًا غلط لما ذكرنا.

فرع

لو كان الضمان بشرطٍ كان لصاحب الحق مطالبته على موجب الشرط مثل أن يكون له عليه الدين حالًا فيضمنه مؤجلًا إلى شهرٍ ويطالب المضمون عنه في الحال، ولا يطالب الضامن إلا إذا حل أجله، وكذلك لو كان المال عليه إلى شهرٍ فضمنه إلى شهرين جاز أن يطلبه بعد شهرين. فإن قيل: عندكم الدين الحال لا يتأجل [٢١/ أ] فكيف تأجل ها هنا على الضامن؟. قيل: الدين لم يثبت على الضامن حالًا وإنما ثبت عليه ما يضمنه وقد ضمنه ابتداء مؤجلًا والدين يتأجل في ابتداء ثبوته إذا كان ثبوته بعقد.

فرع آخر

لو كان الدين عليهما مؤجلًا فمات الضامن قبل محل الدين حل عليه الدين في تركته وله أن يطالب ورثته بقضائه، وليس له مطالبة المضمون عنه لأن الدين لم يحل عليه. ثم إذا قبض من ورثة الضامن برئ من عليه أصل الحق من حقه ولم يكن لورثة الضامن

<<  <  ج: ص:  >  >>