للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيره. وقيل: المراد بالسكة ها هنا ضرب البلد إذا كان فضة ولم يكن فيها حمل وغش لأن هذا هو الظاهر من الدراهم المعروفة المعتادة في الإسلام.

وقول الشافعي (١): "جائزة بغير ذلك البلد أو غير جائزة "، يريد أنّا نقبل قوله في السكة، وإن كان ضرب ذلك السلطان لا يؤخذ في غير ذلك البلد لاسمه [١٢٧ /ب] أو لرداءة الفضة لا لنقصان العيار.

والدليل على صحة هذا أن الشافعي لما ذكر هذه المسألة في كتاب "الإقرار والمواهب " على ما نقله المزني قال: ولو قال: عليّ دراهم سود فوصل الكلام فهي سود فشرط فيه الوصل فدل على أنه إذا قطع لم يقبل لنقصان الفضة وقال المزني: يلزمه من سكة البلد إذا أطلق وهو مذهب أبي حنيفة واحتج بأنه لو قال: عليّ دريهم أو دريهمات لزمته وازنة بسكة البلد فالدراهم بذلك أولى أن لا يقبل إلا بسكة تلك البلد. قال: ولا يشبه الثوب نقد البلد كما لو اشترى بدراهم سلعة جاز لمعرفتهما بنقد البلد، ولو اشتراها بثوب لم يجز لجهلهما بالثوب، فدل أن النقد شيء معلوم يمكن صرف الدراهم المطلقة إليه وليس الثوب بمعلوم يمكن صرف المطلق إليه وقصده بهذا الانفصال عن قياس الشافعي على الثوب. وأجاب أصحابنا عن هذا بأنه: لا وجه لتقريب الإقرار من البيع في ذلك لأن الإقرار يحتمل الإجمال الذي لا يحتمل إليه فجاز أن يرد مجمله إلى تفسير صاحب اللغة وان كان بعد زمان لا إلى نقد البلد بخلاف البيع، ولهذا لو قال: لفلان عليّ شيء يصح إقراره.

ولو قال: اشتريت منك هذا الثوب بشيء لم يكن بيعاً وإن فسره عن قرب. ويؤكده أنا لو لم نحمل في البيع على نقد البلد بطل العقد، والظاهر من قصدهما صحة العقد بخلاف الإقرار فإنه لا يبطل. وأما الدريهمات إن فسرها برداءة الجوهر من سكة أخرى يقبل أيضا، وإنما لا يقبل في نقصان الوزن والغش فلا فرق بينهما. وإنما ألحقنا لفظ التصغير بغير التصغير لأن العادة جارية باستعمال هذا اللفظ المصغر على معنى الاستقلال لا على معنى النقصان من الوزن، ولأّنا لا نجد الدريهم المصغر معهوداً آخر في الوزن يصرف إقراره إليه فصرفناه إلى ما كان معهوداً من لفظ الدرهم غير المصغر بخلاف السكة. فإن قال قائل: قول المزني (٢) "إذا قال: علي دريهم أو دريهمات فهي وازنة قضاء على قوله: علي دراهم فهي وازنة " يقتضي أن يكون اعتراضه على قول الشافعي فهي وازنة لا على قوله: في سكة بلدة أخرى قلنا: [١٢٨/ أ] هذا إيجاز من المزني ومراده قضاء على قوله فهي وازنة وسكتها سكة بلدته أو يستحيل أن يعترض بقوله فهي وازنة على قوله: فهي وازنة، وعلم المزني أن ذلك مفهوم من عبارته.

وقيل: يحتمل كلام المزني معنى آخر وهو أن يكون مراده بأول كلامه الاعتراض على مسالة النقص بالعكس ومراده بآخر كلامه الاعتراض على مسألة السكة التي


(١) انظر الأم (٣/ ٢٠)
(٢) انظر الأم (٣/ ٢١)

<<  <  ج: ص:  >  >>