للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو حنيفة: لا غرم عليه، استدلالاً بأن الأمر إنما يضمن الحفظ دون العلف فلم يكن منه تقصير فيما تضمنه المر فلم يضمن، وتعلقاً بأنه لو رأى بهيمة تتلف جوعاً فلم يطعمها لما ضمن، فكذلك هذه وهذا فاسد، لأن ما وجب بالشرع فهو كالمقترن بالأمر، وقد "نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتخذ الروح غرضاً" (١) وذكر في صاحبة الهرة التي دخلت بها النار ما يدل على أنه لا يجوز ترك البهيمة بلا علف، ولأن علفها من شروط حفظها، فلما كان حفظها واجباً وإن جاز أن تبقى بغير حافظ فأولى إن يكون علفها واجباً غذ ليس يجوز أن تبقى بغير غلف وبهذا بطل استدلاله.

فأما من رأى بهيمة غيره تموت جوعاً فلم يطعمها فإنما لم يضمنها، لأنه لم يتعين عليه حفظها، وليست كالوديعة التي تعين عليه حفظها، فإذا ثبت وجوب علفها عليه وأنه يضمنها إن لم تعلف فالطريق إلى رجوعه بعلفها أن يأتي الحاكم حتى ينظر حال مالكها، فإن كان حاضراً ألزمه علفها، وإن كان غائباً نظر أولى الأمرين له من بيعها إن خاف أن يذهب في علفها أكثر منها أو النفقة عليها إن رأى ذلك قليلاً، فإن رأى الحاكم أن يأذن للمستودع في النفقة عليها، فهل يلزمه تقديرها له أم لا؛ على ما ذكرنا من الوجهين في المالك لو كان هو الأذن، وهل يجوز أن يتولى النفقة عليها بنفسه أو ينصب له أميناً يأخذها منه؛ على وجهين ذكرناهما في "اللقطة" فإن اتفق المستودع عليها من غير حكم حاكم، فإن قدر على استئذان الحاكم كان متطوعاً بالنفقة، ومن لم يقدر على استئذانه ففي رجوعه بالنفقة ثلاثة أوجه:

أحدهما: يرجع بها أشهد أو لم يشهد، لوجوبها عليه، وعدم من يحكم بها له.

والثاني: لا يرجع بها أشهد، أو لم يشهد، لأن لا يكون حاكم نفسه.

والثالث: أنه أمر اشهد رجع وإن لم يشهد لم يرجع، لأن الإشهاد غاية إمكانه.

مسألة (٢)

قَاَلَ الشَّافِعِيُّ: "وَلَوْ أَوْصَى المُودِعُ إِلَى أَمِينٍ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ".

قال في الحاوي: وهذا صحيح، إذا حضر المستودع الموت، فإذا كان مالكها حاضراً، أو وكيله لم يجز أنه يوصي بها، كما لا يجوز إذا أراد السفر مع حضور مالكها أن يودعها، إن كان مالكها غائباً وليس له وكيل حاضر فإن لم يقدر على حاكم جاز أن يوصي بها إلى أمين وإن قدر على الحاكم ففي جواز الوصية بها غيره وجهان على ما ذكرنا في السفر، فإذا جاز له الوصية بها مع عدم الحاكم ومع وجوده في أحد الوجهين اختار


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢١٦، ٢٧٣، ٢٧٤)، والترمذي (١٤٨٥)، والطبراني في ((الكبير)) (١١/ ٢٧٥، ٤٤٥).
(٢) انظر الأم (٣/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>