قيمتها بلا يمين: لأن الراكب يقر له بالقيمة بالإعارة، وهو يدعيها بالغصب والقيمة فيهما سواء، لأنه عقيب القبض، واختلافهما في السبب الموجب للقيمة لا يجري مجرى إقرار أحدهما بالأجرة، ودعوى الآخر القيمة؛ لأن ذلك حقان مختلفان، وهاهنا اتفقا على وجوب القيمة، فإن كان بعد مضي مدة لمثلها أجرة فالكلام في الأجرة على المضي إذا كانت قائمة، وأما القيمة فالمالك يدعي قيمة المغصوب أكثر ما كانت من وقت القبض إلى حين التلف، والمستعير يعترف بقيمة العارية وهي ما يكون يوم التلف، فإن كانت القيمتان سواء أخذها المالك بغير يمين، وإن كانت قيمتها غصباً أكثر أخذ المالك قدرها عارية بلا يمين، وما زاد على قيمة العارية لا يأخذ إلا باليمين؛ لأنه يدعيه والمستعير ينكره. واختار المزني أن القول قول مالك وهو منصوص في كتاب "المزراعة"، وهو الصحيح على ما ذكرنا واعترض على القول المنصوص هاهنا فقال:"هذا خلاف أصله لأنه من سكن دار غيره كمن تعدى على سلعته فأتلفها، ولو أكل طعام رجل وقال: أكلته بإذنك، فالقول قول المالك كذلك هاهنا "قلنا للمزني إن كان مرادك في هذا الاختيار مسألة الاختلاف في الغصب والعارية فكما رأيت وقد بينا ذلك. وإن كان [١٠/أ] مرادك المسألة الأولى فقد ذكرنا فيه الاختلاف وما يمكن أن يجعل فرقأ بين ما أوردت من النظير وبين تلك المسألة.
مسألة (١): قال: "ومن تعدَّى في وديعةٍ ثم ردَّها إلى مّوْضِعِها الذي كانت فيه ضَمِنَ".
الفصل
وهذا كما قال، هذه المسألة من كتاب "الوديعة"، وذكرها المزني في هذا الكتاب، وكان الأولى بالمزني أن يذكرها هناك ونحن نستقصي بيانها هناك، ولكنا نشير إلى المذهب هاهنا، فالرجل إذا أودع عند رجل وديعة ثم تعدى فيها بأن كانت ثوباً فأخرجه ليلبسه، أو كانت دابة فأخرجها ليركبها، أو كانت دراهم فأخرجها لينفقها ضمنها فعل ذلك أو لم يفعل، وإذا ضمنها ثم ردها إلى حرزها لم يبرأ من ضمانها إلا أن يردها على صاحبها أو إلى وكيله. وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط الضمان إذا ردها إلى حرزها. وعند أبي حنيفة إذا أخرجها من الحرز الانتفاع لا تدخل في ضمانه ما لك ينتفع، وزاد أبو حنيفة على مالك فقال: لو أنفق الدراهم أو الدنانير ثم رد مثلها إلى حرزها سقط عنه الضمان. وخالفه مالك في هذا، وبني هذا على أصله أن المودع الموسر يقترض الوديعة وينفقها ويكون بدلها في ذمته. وهذا غلط، لأن صاحبها أودعها للحفظ لا للإنفاق ولم يوجد منه الرضا بذلك.
فرع
لو قال ربها بعدما ضمنها: أبرأتك من الضمان أو أودعتها ثانياً عندك هل يبرأ