وهذا كما قال: إذا قارض العامل بمال القراض رجلاً آخر لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون بإذنه أو بغير إذنه، فإن كان بإذنه كأن رب المال قال له: قارضتك بهذا المال ولك أن تقارض إنساناً آخر فهذا بمنزلة الوكيل فالقراض الثاني صحيح إن لم يشترط لنفسه جزءً من الربح لأن مقتضى القراض أن لا يستحق الربح إلا بالمال أو العمل والعامل الأول لا مال له ولا عمل فلا يجوز له شرط الربح لنفسه, فإن عمل الثاني بعدما شرط العامل الأول لنفسه ربحاً وحصل ربح فكله لرب المال وللعامل أجر مثله، هران كان من غير إذن رب المال فالقراض الثاني فاسد لأن رب المال رضي باجتهاد العامل الأول ولم يرض باجتهاد العامل الثاني ويصير الأول ضامناً بدفعه إلى الثاني ثم إن عمل الثاني ينظر، فإن لم يحصل ربح أخذه رب المال وان حصل ربح فهو [(١٢٤) / ب] مبني على مسألة وهي أن الغاصب إذا اتجر في المال المغصوب أو المودع تصرف من غير إذن المودع وربح لمن يكون الربح؟
فيه قولان: قال في القديم: يكون الربح لرب المال, وقال في الجديد: ينظر، فإن كان ابتاعه بعين المال كان باطلاً, وإن ابتاعه في الذمة ونقد الثمن من الغصب أو الوديعة فالثراء صحيح والربح له وعليه ضمان الأصل لصاحبه، فإذا قلنا بقوله القديم وهو قول مالك فوجهه أنا لو جعلنا ذلك للغاصب لأدى إلى خفر الأمانات وتسليط الظلمة والغاصبين على المال فعلى هذا نقل المزني عن الشافعي أنه قال: لصاحب المال شطر الربح ثم يكون للذي عمل شطره مما يبقى قال أبو إسحاق: هذا صواب ويكون الربح بين رب المال وبين العامل الأول لأنه وإن تعدى في المال فلم يسقط الشرط الذي بينهما في الربح كما لو سافر بالمال وربح كان الشرط باقياً، وان كان في المال متعدياً وإذا أذن له في السفر في البر فسافر في البحر كان ضامناً للمال والشرط باق ثم النصف الذي للعامل بينه وبين العامل الثاني نصفين لأن الثاني دخل مع الأول على أن ما رزق الله تعالى من ربح كان بينهما والذي رزق الله تعالى هذا النصف والنصف الذي أخذه رب المال في حكم التآلف وكأنه لا ربح إلا هذا فكان بينهما.
ومن أصحابنا من غلط المزني في النقل وقال: يجب أن يكون للعامل الثاني على الأول نصف أجرة مثله مع ربع الربح لأنه دخل على أن يحصل له نصف الربح فإذا حصل له وبعد وجع بنصف أجرة مثله، ألا ترى أن القراض لو كان فاسداً ولم يحصل له من الربح شيء رجع بجميع أجرة المثل.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كان اللفظ على أن ما رزق الله تعالى بيننا نصفين
فكما ذكر المزني، وان قال: على أن الربح بيننا نصفين فهل يستحق مع ربع الربح نصف أجرة مثله؟ وجهان أحدهما: لا يستحق لأن لفظهما ما تناول إلا ما يصيبهما من الربح فذلك بينهما، والثاني: يستحق على ما ذكرنا [(١٢٥) / أ] وإذا قلنا بقوله الجديد وهو الصحيح فوجهه أنه إذا اشترى في ذمته فقد ملكه وإذا نقد الثمن من المغصوب لا