حماره الذي أهداه إليه ورأى الكراهة في وجهه ليس بنا رد عليك وكلنا حرم، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة:"هو لها صدقة ولنا هدية" وروى عنه عليه السلام أنه قال: "إنَّ أهل بيت لا يحل لنا الصدقة" وهذا عام، وإذا قلنا: إن ذلك الامتناع كان على وجه التنزه لا التحريم فوجهه: أن كل من حلت له الهدية حلت له الصدقة المتطوع بها لغيره صلى الله عليه وسلم لأن أهل بيته يحرم عليهم الصدقة المفروضة وتحل لهم الصدقة المتطوع بها، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما أهل بيته: فالصدقة المفروضة محرمة عليهم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة" وقوله للفضل "في خمس الخمس وما يغنيكم عن أوساخ الناس".وروي أن الحسن أخذ ثمرة من الصدقة فأكلها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ" يعني إرم بها وأما صدقة التطوع فكانت حلالًا لهم.
والدليل عليه ما روى الشافعي عن جعفر بن محمد أنه كان يشرب من ماء السقايات التي بين مكة والمدينة. فقيل له في ذلك فقال: "إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة".
فإذا ثبت هذا فنعني بأهل البيت: رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذوي القربى بني هاشم وبني المطلب فهم الذين يحرم عليهم الصدقة المفروضة وهم ذوي القربى فأما آل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يذكرون في التشهد فقد قيل: هم بني هاشم وبني المطلب وقيل: هم المؤمنون كلهم فآل الرجل: أتباعه وأشياعه كما قال الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ}[غافر: ٤٦] وأراد به أشياع فرعون، وأما سائر الناس فتحل الصدقات كلها عليهم المفروضة وغير المفروضة والله أعلم بالصواب.
قال في الحاوي: وهذا كما قال يجوز وقف العقار والدور والأرض والرقيق والماشية والسلاح وكل عين تبقى بقاء متصلاف ويمكن الانتفاع بها.
وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا في الأراضي والدور، والكراع والسلاح والغلمان فأما وقف الغلمان وغيرهم من الحيوان على الانفراد فلا تصح واحتج من نصره ما عدا الأرض والدور لا يثبت فيه الشفعة ولا يستحق بالشفعة فلم يصح وقفه كالأطعمة والسمومات. ودليلنا ما روي أن أم معقل جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبا معقل جعل ناضحه في سبيل الله وإني أريد الحج أفأركبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اركبه فإن الحج والعمرة من سبيل الله".