ما سقته السماء، فهي كالأرض التي لا ماء لها، لأنه غير قائم فيها، وقد يكون ولا يكون، فلا يصح إجارتها للزرع.
فإذا استأجرها ولها ماء قائم فزرعها إحدى الغلتين، ثم نضب الماء أو نقص أو ملح وتعذر عليه لأجل ذلك زرع الغلة الثانية نظر، فإن توصل المؤجر إلى إعادة الماء بحفر نهر، أو بئر، أو استنباض عين فالإجارة بحالها ولا خيار للمستأجر فيها.
وإن تعذر عليه إعادة الماء أو أمكنه فلم يفعل لم يجبر عليه كما لا يجبر على بناء الدار إذا انهدمت، ولا يجبر البائع على مداواة العبد المبيع إذا ظهر به مرض. ثم للمستأجر الخيار مع بقاء العقد بين المقام عليه أو الفسخ، لما حدث من النقص بتعذر التمكين.
فإن قيل فهلا بطلت الإجارة بانقطاع الماء عنها كما لو انهدمت الدار أو مات العبد، قيل: الفرق بينهما أن الأرض المستأجرة باقية مع انقطاع عنها، والدار تالفة بانهدامها، وكذلك العبد بموته، فلم تبطل الإجارة بانقطاع الماء عن الأرض، وإن بطلت بانهدام الدار، وموت العبد واستحق المستأجر الخيار للنقص الداخل عليه، فإن أقام فعليه الأجرة المسماة، وإن فسخ فله فسخ الإجارة فيما بقي من المدة، وفي جواز فسخها فيما مضى وجهان:
أحدهما: ليس له ذاك لأنه صار مستهلكًا لما مضى من المدة باستيفائها ومن استهلك معقودًا عليه لم يستحق خيارًا في فسخه، فعلى هذا يقيم على ما مضى من المدة بحصته من الأجرة، ويرجع لباقي المدة بحصته من الأجرة.
والثاني: له الخيار في فسخ ما مضى، كما كان له الخيار في فسخ ما بقي لأنها صفقة فلم يفترق حكمها في الخيار، فعلى هذا إن فسخ في الجميع رجع بالمسمى، وكان عليه أجرة المثل ما مضى، وإن قام على ما مضى، وفسخ فيما بقي، لزم من الأجرة بقسط ما مضى، ورجع منها بقسط ما بقي، وقد خرج قول آخر: إنه يقيم على ما مضى بكل الأجرة وإلا فسخ وهذا ليس بصحيح.
فإذا أراد أن يرجع بحصة ما بقي لم يقسط ذلك على المدة، وإنما يقسط على أجرة المثل، فإذا كان الماضي من المدة نصفها لم يرجع بنصف الأجرة وقيل: "كم تساوي أجرة مثل المدة الماضية؟ فإذا قيل عشرون دينارًا، قيل وكم تساوي أجرة مثل المدة الباقية؟ فإذا قيل: عشرة دنانير رجع بثلث الأجرة، ولو كان أجرة ما مضى عشرة وأجرة ما بقي عشرون، رجع بثلثي الأجرة لأنه قد تختلف أجرة مثل المدتين، فلم يجز أن يقسط على أعدادها ولزم أن يقسط على أجور أمثالها والله أعلم.