والذي قاله ها هنا إذا كان الحج واجبًا، وسواء كان حج الإسلام، أو نذرًا أو قضاء. ومن أصحابنا من فرق بين حجة النذر وغيرها. فجعل حجة النذر في الثلث؛ لأنه تطوع بإيجابها على نفسه، وسوى الأكثرون بينها وبين الواجبات.
فصل: ولو كان ما أوصى به عنه من الحج تطوعًا، ففيه قولان:
أحدهما: أن الوصية باطلة.
والثاني: جائزة.
فإذا قيل ببطلان الوصية: كان الحج عن الأجير، لا عن المستأجر عنه، وفي استحقاقه للأجر قولان:
فإذا قيل بجواز الوصية، نظر مخرج كلامه فيها، فله فيه أربعة أحوال:
أحدها: أن يقول أحجوا عني بمائة درهم من الثلث.
والثاني: أن يقول أحجوا عني بما اتسع له الحج من الثلث.
والثالث: أن يقول: أحجوا عني بالثلث.
والرابع: أن يقول أحجوا عني.
فأما الحال الأول: وهو أن يقول: أحجوا عني بمائة درهم من الثلث فلا يزاد عليها، ولا ينقص، مع احتمال الثلث لها. ثم لا يخلو إما أن يسمي من يحج بها، أو لا يسميه، فإن لم يسميه: دفعت إلى من يحج بها واحدًا من أفضل ما يوجد، ثم لا تخلو المائة من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون بقدر أجرة المثل، إما من بلده، أو من الميقات، فتدفع إلى وارث، أو غير وارث، لأنها وإن كانت في الثلث وصية، فهي في مقابلة عمل، فلم تصر له وصية وصارت كالموصي يشتري عبدًا يعتق عنه، جاز أن يشتري من الوارث، وإن كان ثمنه في الثلث، لأنه في مقابلة بدل.
والقسم الثاني: أن يكون بقدر أجرة المثل، فتدفع إلى أجنبي، ولا يجوز أن تدفع إلى وارث، لأن فيها وصية بالزيادة.
والقسم الثالث: أن يكون أقل من أجرة المثل. فإن وجد من يحج عنه أحججناه، وارثًا كان، أو غير وارث، فإن لم يوجد من يحج بها، بطلت الوصية بالحج، وعادت ميراثًا، ولم يزد في الثلث على أهل الوصايا، كمن أصوى بمال لرجل، فرد الوصية، عادت إلى الورثة، دون أهل الوصايا.
وإن سمي من يحج بها بمائة لم يعدل بها عنه إلى غيره، مع إمكان دفعها إليه. ثم لا تخلو حالها من ثلاث أقسام:
أحدها: أن يكون بقدر أجرة المثل فتدفع إلى المسمي لها، وارثًا كان، أو غير وارث، فإن لم يقبلها المسمي بها، فدعت حينئذ إلى غيره.