والثانية: أن يكون قد قبلها قبل موته، وبعد موت الموصي، فقد ملكها أو انتقلت بموته إلى وارثه. وسواء قبضها الموصي له في حياته، أم لا، لأن القبض ليس بشرط في تملك الوصية.
والثالثة: أن يموت قبل قبوله ورده. فعلي مذهب الشافعي: يقوم وارثه مقامه في القبول والرد، ولا تبطل الوصية بموته قبل القبول.
وقال أبو حنيفة: إذا مات قبل القبول، بطلت الوصية له كالهبة، وهذا فاسد:، لأن ما استحقه في التركة لم يسقط بالموت كالدين، ولأن كل سبب استحق به تملك عين بغير اختيار مالكها، لم يبطل بموته، قبل تملكها كالرد بالعيب. وفارقت الوصية الهبة، من حيث إن الهبة قبل القبض غير لازمة فجاز أن تبطل بالموت، والوصية قبل القبول لازمة، فلم تبطل بالموت.
فصل: فإذا ثبت أن الوصية لا تبطل بموت الموصي له قبل الرد والقبول، فورثته يقومون مقامه في القبول والرد، ولهم ثلاثة أحوال:
حال يقبل جميعهم الوصية، وحال يرد جميعهم الوصية، وحال يقبلها بعضهم ويردها بعضهم. فإن قبلوها جميعًا فعلي القول الذي يجعل القبول دالًا على تقدم الملك، فالملك للوصية بقبول الورثة، هو الموصي له، لا الورثة فعلي هذا يكون أولاد الأمة أحرارًا، لأن الأب لا يملك ولده ويجعلها له أم ولد في الموضع الذي تصير بالولادة أم ولد.
فأما القول الذي يجعل القبول ملكًا، فقد اختلف أصحابنا، هل تدخل الوصية في ملك الموصي له بقبول ورثته أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة، وأبي حامد المروروذي أن الوصية يملكها الورثة دون الموصي له، الحدوث الملك بقبولهم. فعلي هذا لا يعتق الأولاد الذين ولدتهم بعد القبول، ولا تصير الأمة بعد، أم ولد، لأن الأخ يملك أخاه. وعلى هذا: لو كانت الوصية مالًا: لم يقص منها ديون الموصي له.
والثاني: وهو الظاهر من مذهب الشافعي، وبه قال أكثر البصريين وحكاه أبو القاسم بن كج عن شيوخه. أن الوصية يملكها الموصي له بقبول ورثته، وإن كان القبول مملكًا؛ لأنها لو لم تدخل في ملكه، لبطلت، لأن الورثة غير موصي لهم، فلم يجز أن يملك الوصية من لم يوص له. فعلي هذا قد أعتق الأولاد الذين ولدتهم بعد القبول، وصارت ممن يجب أن تصير به أم ولد. وعلى هذا لو كانت الوصية مالًا: قضي منها ديون الموصي له.
فصل: فإذا ثبت حرية الأولاد على ما وصفنا لم يخل حال الورثة القابلين للوصية أن يسقطوا بالأولاد، أو لا يسقطوا.