فالثلث كان الموصي له إذا احتمله الثلث وهو قول الجمهور: وقال أبو ثور: يكون له ثلث الثلث، استدلالًا بأنه: لما أوصي له بثلثها، وهو في الظاهر مالك لجميعها، تناولت الوصية ثلث ملكه منها، فإذا بان أن ملكه منها الثلث، وجب أن تكون الوصية بثلث الثلث، لأنه كان ملكه منها، كمن أوصي بثلث ماله، وهو ثلاثمائة درهم، فاستحق نها مائتان كانت الوصية بثلث المائة الباقية. وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن ما طرأ من استحقاق الثلثين، ليس بأكثر من أن يكون عند الوصية غير ملكه للثلثين. وقد ثبت أنه لو أوصي له بثلث دار قدر ملكه: كان له جميع الثلث إذا احتمله الثلث، كذلك إذا أوصي له بثلثها فاستحق ما زاد على الثلث منها.
والثاني: هو أن رفع يده بالاستحقاق كزوال ملكه بالبيع وقد ثبت أنه لو باع بعد الوصية بالثلث منها ما بقي من ثلثها صحت الوصية بكل الثلث الباقي بعد البيع، فكذلك تصح الوصية بالثلث الباقي بعد المستحق وليس لما ذكره من الاستدلال بثلث المال وجه؛ لأن الوصية لم تعتبر إلا من ثلث ملكه، وملكه هو الباقي بعد الاستحقاق.
ولو فعل مثل ذلك في الوصية بالدار فقال: قد أوصيت لك بثلث ملكي من هذه الدار فاستحق ثلثاها كان له ثلث ثلثها الباقي، والله أعلم.
فصل: فإذا تقرر أن له جميع الثلث بعد استحقاق الثلثين، فقد قال الشافعي في الوصايا في كتاب «الأم» بعد أن ذكر مسألة الاستحقاق. ولو أوصي بالثلث من دار أو أرض، فأذهب السيل ثلثيها، وبقي ثلثها، فالثلث الباقي للموصي له، إذا خرج من الثلث وقيل: إن الوصية موجودة وخارجة من الثلث أهـ.
فسوى الشافعي بين استحقاق الثلثين مشاعًا، وبين ذهاب ثلثها بالسيل تجوزًا في أن الوصية تجوز بالثلث الباقي بعد الاستحقاق والتلف بالسيل. والذي أراه الفرق بين المسألتين من أن استحقاق الثلثين لا يمنع من إمضاء الوصية بالثلث الباقي كله. وذهاب الثلثين منها بالسيل بمنع أن تكون الوصية بجميع الثلث الباقي ويوجب أن تكون الوصية بثلث الثلث الباقي. والفرق بينهما أن الوصية بالثلث منها هو ما تبع من جميعها، فإذا استحق ثلثاها لم يمنع أن يكون الثلث الباقي سائغًا في جميعها فصحت الوصية في جميعه. وإذا هلك ثلثاها بالسيل، يجوز إن لم يكن الثلث الباقي منها هو الثلث المشاع في جميعها، فوجب أن تكون الوصية بثلث ما بقي وثلث ما هلك فيكون حكم الإشاعة في الجميع باقيًا.
ألا ترى لو أن رجلًا اشترى من رجل نصف دار جميعها بيده، ثم استحق بعد الشراء نصفها: كان النصف الباقي هو المبيع منها، ولو لم يستحق نصفها ولكن أذهب