وقال أبو يوسف، ومحمد: يسري عتقه مع إعساره كما يسري مع يساره، وتكون القيمة دينًا عليه يؤخذ بها إذا أيسر كما يسري الطلاق في الزوجة إذا طلق بغضها في الأحوال كلها، لاستحالة أن يجتمع طلاق وإباحة، كذلك يستحيل أن يجتمع حرية ورق.
ودليلنا حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«وغن كان معسرًا فقد عتق فأعتق». ولأن المقصود بتكميل العتق رفع الضرر عن الشريك، بأن لا يختلف حكم الحرية والرق في عبده المشترك، وأن يصير العبد كامل التصرف، سراية العتق مع إعسار المعتق أعظم ضررًا على الشريك من استبقاء رقه، فلم يجز أن يرفع أقل الضررين بأعظمهما، ووجب أن يرفع أعظمهما بأقلهما. والفرق بين العتق والطرق من وجهين:
أحدهما: انه لما لم يجز أن يحصل في الزوجة شرك بين زوجين، وجاز أن يقع في الرق شرك بين مالكين لم يجز أن يتبعض الطلاق وجاز أن يتبعض الرق.
والثاني: أن طلاق بعض الزوجة يمنع من الاستمتاع بباقيها، وعتق بعض العبد لا يمنع من استخدام باقيه، فإذا ثبت أن حصة الشريك باقية على رقها بإعسار المعتق، فقال المعتق: أنا استدين واقترض قيمة حصة الشريك إن حدث له يسار بعد العتق، كان الشريك أملك بحصته ولم يؤخذ بإجابته.
فصل
فإذا تبعضت في العبد الحرية والرق بإعسار معتقه فقد قال الشافعي:«يخدم سيده يومًا ويترك لنفسه يومًا فما اكتسب فيه فهو له»، فأجرى عليه حكم المهايأة.
فاختلف أصحابنا فيها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن المهايأة كانت متقدمة بين الشريكين، فلما أعتق أحدهما حصته أجرى العبد بعد العتق لبعضه عليها ولو لم يكن بين الشريكين فيها مهايأة لم يجز أن يتستأنفها بعد العتق مع الشريك الباقي لنقصان تصرفه. والوجه الثاني: يجوز أن يقيم على المهيأة المتقدمة، ويجز أن يستأنفها مع الشريك الثاني، لأن تصرفه بالحرية كامل في حقه من الكسب. والوجه الثالث: إن كان له كسب مألوف بصناعة معروفة يتماثل فيها كسب أيامه كلها جاز أن يستأنفها مع الشريك، وإن لم يكن له كسب مألوف، لم يجز أن يستأنفها معه وإن جاز ذلك للشريكين في الحالين، لأنهما قد يعدلان عند عدم الكسب إلى الاستخدام، وليس العبد كذلك في حق نفسه عند تعذر كسبه.
فإذا صحت المهايأة على ما ذكرناه من الوجوه الثلاثة فهي من العقود الجائزة دون اللازمة، ولكل واحد منهما فسخها متى شاء، وإذا كانا مقيمين عليها، يومًا للعبد، ويومًا للسيد، دخل فيها مألوف الكسب، ومألوف النفقة، فاختص العبد بما كسبه في يومه، ويحمل فيه ما لزمه من نفقته، واختص السيد في يومه بما كسب العبد، ويحمل فيه ما لزمه من نفقته.