بالمخاطبة بها، قال الله تعالى:{إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ}[البينة: ٧]، فعلمنا أنهم خير البرية بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال، وقال تعالى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}[النور: ٣٣]، كان أظهر معانيها بلادلة استدلالنا بها القوة على اكتساب المال والأمانة، لأنه قد يكون قويًا فيكتسب فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة، وقد يكون ذا أمانة، ولا يكون قويًا على الاكتساب فلا يؤدي، وقيل الخير في كتاب الله تعالى على ثلاثة أوجه، أحدها: المال، وهو ما ذكرنا، وقوله تعالى:{إنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي}[ص: ٣٢]، أي أقمت وتحلفت عن الصلاة حبًا مني للخير، وهو المال وذلك المال كان خيولا عرضت على سليمان صلوات الله عليه فاشتغل بها فنسي صلاة العصر، فلما تذكر قضى صلاته وسبل الخيل كلها في سبيل الله كفارة لذلك، والثاني: الطاعة على ما ذكرنا، والثالث: الاكتساب والقوة والأمانة، وهو في هذه الآية.
واعلم أن الكتابة من خصائص الإسلام بخلاف التدبير [٤٥/ ب] لأن العرب في الجاهلية كانت تعرف التدبير دون الكتابة، فإذا تقرر هذا، فاعلم أن العبد إذا جمع كسبًا وأمانة استحب كتابته، وإن فقد أحدهما لم يستحب كتابته، ولا يكره، نص عليه في «الأم»، والعبد والأمة البالغة في هذا سواء، وسواء كانوا ذوي صنعة أو لا، ومن أصحابنا من قال: إن كان له دين وأمانة يستحب كتابته أيضًا، وإن لم يكن له كسب لأنه يدفع إليه من مال الصدقات، فيؤدي ويعتق، ومن أصحابنا من قال: تستحب كتابة من له كسب وإن لم يكن أمينًا أيضًا ولكن يقدم في الاختيار مكاتبة الأمين غير المكتسب على مكاتبة المكتسب غير الأمين لأن صاحب الأمانة معاف والأول أصح، لأن الله تعالى ندب إلى الكتابة بشرط أن يعلم فيه خيرًا، وهو الأمانة والاكتساب على ما ذكرنا، فلا يستحب إلا بوجود كلا الشرطين، وقال أحمد وإسحاق: إذا لم يكن كسب يكره كتابته كالأمة إذا لم يكن لها كسب يكره مخارجتها، ودليلنا: أنه تعليق عتق بصفة، فلا يكره كما لو كان له كسب، ويخالف الأمة لأنها ربما تكسب بالفرج الحرام ولا تستفيد العتق وههنا يعان بمال الصدقات ويعتق فلا يكره، وقد قال الشافعي في «الأم» ولا أكره لمالك أن يكاتب مملوكه وإن كان غير قوي ولا أمين، ويأخذ من مكاتبه صدقات الناس فريضة أو نافلة ومن أين أدى المكاتب إلى سيده نجمه فحلال له أن يقبله ويجبر على قبوله [٤٦/ أ] إلا أن يعلم أنه من حرام، فلا يحل له قبول الحرام.
فرع
قال في «الأم»: وعلى الحاكم أن يمنع الرجل أن يخارج عبده وإن كان ذا صنعة