هذا إذا جوز لها الترويج ففيه وجهان:
أحدهما: أنها تتولاه بنفسها؛ لأن فقد أسقط الولي قد أسقط حكمه.
والثاني: أنها تولي أمرها رجلاً يكون بدلاً من وليها حتى لا يخلو العقد من عدده, ويحتمل تخريج هذين الوجهين من اختلاف قولين في الخصمين إذا حكمنا رجلاً هل يلزمهما حكمه كلزوم الحاكم, والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي: "وَلَا وِلايَةَ لِوَصِيِّ لأنَّ عَارَهَا لاَ يَلحَقُهُ".
وهذا كما قال: إذا وصى الأب بتزويج بنته لم يكن لوصيه أن يزوجها صغيرة كانت أم كبيرة, عين له على الزوج أو لم يعين, ولا يزوجها إن كانت صغيرة إلا أن يعين له على الزوج.
وقال أبو ثور: يزوجها الوصي بكل حالٍ استدلالاً على ذلك بأمرين:
أحدهما: أن للأب ولاية على مالها ونكاحها فلما جاز أن يوصي للولاية على مالها جاز أن يوصي بالولاية على نكاحها.
والثاني: أنه لما جاز للأب أن يستنيب في حياته وكيلاً جاز له أن يستنيب بعد موته وصيًا كالمال, وهذا غير صحيح لقوله عليه السلام: "لا نكاح إلا بولي" وليس الوصي وليًا, ولرواية عبد الله بن عمر قال: زوجني خالي قدامة بن مظغون بابنة أخيه عثمان بن مظغون, فمضى المغيرة إلى أمها وأرغبها في المال فمالت إليه وزهدت, فأتى قدامة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنا عمها ووصي أبيها وما نقموا من ابن عمر إلا أنه لا مال له, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها يتيمة وإنها لا تنكح إلا بإذنها" فرد نكاحه مع كونه وصيًا من غبر أن يستبرئ حال صغرها وكبرها, ولا هل عين الأب على الزوج أم لا؟ فدل على أن النكاح إنما يجاز له؛ لأنه الوصي لا ولاية له, ولأن ولاية النكاح قد انتقلت بموت الأب إلى من يستحقها بنفسه من العصبيات, فصار موصيًا فيما غيره أحق به فكان مردود الوصية كما وصى بالولاية على مال أطفاله ولهم جد إلى غيره بطلت وصيته, كذلك هذا.
وتحريره قياسًا: أنها ولاية قد انتقلت من غير تولية فلم يجز نقلها بالوصية كالولاية على المال مع وجود الجد, وفي هذا انفصال عما ذكره من الوصية بالمال ولأن العصبة إنما اختصوا بالولاية في نكاحها لما يلحقهم من عارها بنكاحها غير كفء فصار حق الولاية بينهم مشتركًا لرفع العار عنهم وعنها. وهذا المعنى معدوم في الوصي الذي لا