والوجه الثاني: تكون كفؤ؛ لأن من لم تكمل حريته فأحكام الرق عليه أغلب؛ ولأنه لما لم يكن من عتق بعضه كفؤاً للحر تغليباً للرق صار كفء العبد، فعلي الوجه الأول لا يكون من ثلثه حر لمن نصفه حر حتى تساوى فيهما من حرية ورق. وعلي الوجه الثاني يكونان كفؤاً وإن تفاضل بقيمها من حرية ورق، فأما المولي فإن كان قد جرى عليه رق قبل العتق لم يكن كفء فالحرة الأصل، وإن لم يكن يجرى عليه رق لكونه ابن عتق من رق فهل يكون كفء الحرة الأصل علي وجهين بناء علي اختلاف الوجهين في موالي كل قبيلة، هل يكونوا أكفائها في النكاح؟ فإن قيل: يكونوا أكفائها صار المولي كفؤاً للحرة الأصل. وإن قيل: لا يكونوا أكفاء لم يصر المولي كفؤاً للحرة الأصل. وعلي هذين الوجهين إذا كان أحدهما مولي لعربي والآخر مولي لنبطي. فإن قيل: مولى القبيلة كفء لها في النكاح لم يكن مولي النبطي كفؤاً لمولي العربي. وإن قيل: لا يكون كفئاً لها مولى النبطي كفئاً لمولى العربي.
فصل:
فأما الشطر الرابع وهو الكسب فإن الناس يتفاضلون به قال الله تعالي:{واللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}[النحل: ٧١] فيه تأويلان:
أحدهما: انه فضل بعضهم علي بعض في قدر الرزق فبعضهم موسع عليه. وبعضهم مضيق عليهم.
والثاني: أنه فضل بعضهم علي بعض في أسباب الرزق فبعضهم يصل إليه لعز ودعه وبعضهم يصل إليه بذل ومشقة وفي قوله تعالي: {فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}[طه: ١٢٤] ثلاثة تأويلات:
أحدها: انه الرزق الضيق.
والثاني: انه الكسب الحرام.
والثالث: أنه إنفاق من لا يوقن بالخلف والمكاسب تكون في العرف المألوف من أربع جهات، بالزراعات، والتجارات، والصناعات، والحمايات، ولكل واحد منها رتب متفاضلة وكل واحد منها يفضل بعضها علي غيره بحسب اختلاف البلدان والأزمان، وإن في بعض البلدان التجارات وفي بعضها الزراعات أفضل، وفي بعض الأزمان حماة الأجناد أفضل وفي بعضها اقل، فلأجل ذلك لم يمكن أن يفضل بعضها في عموم البلدان والأزمان، وإنما يراعي فيها العرف والعادة. والأفضل منها في الجملة ما انحفظت به أربعة شروط؛ أن لا تكون مترذل الصناعة كالحائك، ولا مستخبث الكسب كالحجام، ولا ساقط المروءة كالحمال، ولا مبتذلاً كالأجير، فمن انحفظت عليه في مكاسبه هذه الشروط الأربعة لم يكافئه في النكاح من اخل بها، من حجام وكناس قيم وحائك، فالعرف في اعتبار هذه الشروط الأربعة هو المحكم.