للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وروى) سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يتزوج الرجل المرأة حتى يكون الولي غيره ولا يشتري الولي شيئًا من الغنيمة ولا الوصي شيئًا من الميراث "وهذا نص مرسل سعيد عند الشافعي حجة؛ لأنه عقد لم يملك فيه البدل إلا بإذن فلم يملك في القول كالوكيل في البيع لما ملك فيه البدل بإذن موكله لم يملك فيه القبول في شرائه لنفسه، وهي دلالة الشافعي، ولا يدخل في هذا القياس ابتياع الأب مال ابنه الصغير بنفس حيث صار فيه مالكًا للبدل والقبول؛ لأن الأب يملك البدل لنفسه لا بإذن غيره، فجاز أن يملك فيه القبول، وخالف الولي في النكاح كما خالف الوكيل في البيع؛ ولأن ذكر اعتبر في النكاح احتياطًا فلم يجز أن يكون زوجًا كالشاهد، ولأن الولي مندوب لطلب الحظ لها في التماس من هو ألفًا وأغنى فإذا صار زوجًا انصرف نظره إلى حظ نفسه دونها فعدم في عقده معنى الولاية فصار ممنوعًا منه ومن غيره، وليس الآن دليل على ما اختلفنا في من جواز أن يتزوجها بنفسه. وأما الجواب عن قوله عليه السلام: "لا نكاح إلا بولي "فهو أن هذا في حال تزويجه بها قد خرج أن يكون وليًا لها لما ذكرنا من انصرافه عما وضع له الولي من طلب الحظ لها إلى طلب الحظ لنفسه، فأما الجواب عن حديث سعيد فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بجواز النكاح بغير ولي عند كثير من أصحابنا، فلم يجز أن يعتبر به حال غيره. فأما على قول من اعتبر الولي في نكاحه فيقول لم يكن لصفية ولي غيره فصار في عقده عليها كالإمام إذا لم يجد لوليته وليًا سواه يزوجها منه فيكون على ما سنذكره.

وأما الجواب عن قياسهم أنه نكاح بولي فلا نسلم أنه يكون وليًا لها إذا تزوجها لما ذكرنا من زوال معنى الولاية عنه، ثم المعنى في الأصل أن الباذل غير العائل.

وأما الجواب عن استدلالهم بأنه كفء لها لمناسبته فلم يحتج إلى ولي يلتمس الكفاءة وهي ليست معتبرة بالنسب وحده وقد يجوز أن لا يكافئها فيما سوى النسب من مال وعفاف.

فرع:

فإذا ثبت ليس للولي أن يتزوجها بنفسه نظر، فإن كان في درجته من أوليائها أحد جاز له أن يتزوجها منه، وإن لم يكن لها إلا من هو أبعد منه لم تنتقل الولاية إلى البعيد، وزوجه الحاكم بها.

وقال قتادة وعبيد الله بن الحسن: تنتقل الولاية إلى من هو أبعد فيزوجها منه وهذا خطأ؛ لأن ولايته لم تبطل بهذا القصد فلم ينتقل عنه إلى الأبعد، وصار بخطبتها كالعاضل فيزوجها الحاكم، فلو كان هذا الولي هو الحاكم لم يجز له أن يتزوجها بولاية النسب وعدل إلى الإمام أو إلى غيره من الحاكم حتى يزوجه بها، فلو كان هذا الولي هو الإمام الأعظم ففيه لأصحابنا وجهان:

أحدهما: يجوز أن يتزوجها بنفسه لعموم ولايته وأن الحكام كلهم من قبله كما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنفسه لهذا (المعنى).

<<  <  ج: ص:  >  >>