للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسألة: قال: (فَأَمَّا جِلْدُ كُلُ مُذَكِيِّ يُؤْكَل لَحْمَهُ فَلاَ بَاسَ بِالْوضُوءِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْبَغْ".

وهذا كما قال، الحيوان على ضربين: أحدها: يحل أكله، فإذا ذبح فلحمه وجلده طاهر، ويجوز استعمال جلده وحوله حوضاً للماء قبل دباغه ما لم يصبه دم أو ورث، فإن أصابه ذلك غسله. والثاني: ما لا يحل أكله فذبحه وموته سواء، نص عليه في "الأم" ولم ينقله المزني. وقال مالك وأبو حنيفة: يطهر كله بالذبح إلا الخنزير والإنسان وهذا غلط؛ لأن المقصود بالذكاة إباحة اللحم عرفاً وشرعاً، وهذه الذكاة لا تفيد المقصود، فلا يفيد البائع.

مسألة: قال: "وَلاَ أكْرَهُ مَنَ الآنيَةِ إِلاَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَّ".

وهذا كما قال. أراد به ولا أكرم من الآنية الطاهرة شيئاً [٣٨ أ/ ١] إلا الذهب والفضة، فإني أكرههما من حيث الاستعمال لا من حيث التطهير خاصة فإذا تقرر هذا فالأواني على ضربين: متحدة من جنس الأثمان، ومتحدة من غير جنس الأثمان.

فأما المتحدة من جنس الأثمان: وهي آنية الذهب والفضة لا يحل استعمالها بحالٍ في

شيء من الأشياء. وقال في كتاب الزعفراني من القديم لا يحل ذلك كراهة وتنزيها لا تحريماً؛ لأن الغرض بذلك تركه التشبه بالأعاجم والخيلاء وإغاظة الفقراء، وذلك لا يقتضي التحريم، وهذا غلط لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم". وروي "نار جهنم" بالرفع، فمعنى الرفع كأنه قال: إنما يصون نار جهنم، والجرجرة هي الصوت، ومعناه تلقى في جوفه نار جهنم حتى يسمع صوته يقال: جرجر فلان الماء في حلقه إذا تجرعه جرعاً متتابعاً يسمع له صوت، والجرجرة في حكاية ذلك الصوت، وهذا وعيد يقتضي التحريم، ومعنى النصب كأنه يقول: إنما يجرجر نار جهنم، فيكون جرجر على هذا المعنى مضاعف جر، وهو أن هذا الفعل يكون سبباً لعذابه في نار جهنم، وهذا كما قال تعالى: {إنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠]

وقال داود: يحرم الشرب منها فقط؛ لأن الخبر ورد في الشرب وهذا غلط، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب ولا الفضة، ولا تلبسوا الحرير [٣٨ ب/ ١] والديباج، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة". آخر هذا الخبر يدل على أن التحريم عام في الشرب وغيره وروى حذيفة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل والشرب تنبيهاً على غيرهما، فإن خالف وأكل فالأكل محرم والمأكول حلال. ومن أراد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>