الزانية بزنا آخر في ملكه يلاعن لنفي التعزير وبه قال أبو حنيفة لأنه لم يصدقه بهذا القذف فصدق نفسه. ثم اعلم أن الشافعي في جمع هذا الفصل بين مسألتين مختلفتي الحكم وأجاب بجواب واحد فقال: ولو كانت امرأته محدودة في زنا فقذفها بذلك الزنا أو بزنا كان في غير ملكه عزر ومعلوم أنه إذا قذفها بزنا قد حدث فيه فحكمه التعزير، وإذا قذفها بزنا كان في غير ملكه وليست محدودة فيه فحكمه الحد لا التعزير؛ فكيف أجاب في المسألتين جميعًا وجوب التعزير، وهذا مشكل وإزالة هذا الإشكال أن يقال: الشافعي كثير الجمع بين مسألتين، ثم يجيب عن إحديهما فكأنه أجاب بالتعزير في المسألة الأولى وهي: إذا كانت محدودة في ذلك الزنا؛ ولم يجب عن المسألة الثانية وهي إذا كانت غير محدودة، ولو أجاب عن الثانية لكان يجب بوجوب الحد. أو يقول: يحتمل أن يريد بقوله: بزنا كان في غير ملكه وهي محدودة في ذلك الزنا، والمسألة الأولى مصورة في زنا في ملكه؛ وهى محدودة فيه أيضًا، وإذا كانت المسألتان جميعًا مصورتين في الزنا الذي حدث فيه فجوابهما التعزير، وإن كانت في إحديهما زنت في ملكه، وفي الأخرى زنت في غير ملكه.
صورة المسألة: أن تدعي امرأة على زوجها أنه قذفها فجاءت بشاهدين فشهدا عليه بالقذف قال الشافعي: له أن يلاعن وليس جحوده القذف [١٨٨/ أ] إكذابًا لنفسه ولا خلاف على المذهب أنَّ له أن يلاعن ولكن اختلف أصحابنا في أن جحوده القذف إكذابًا منه لنفسه، أم لا فمنهم من قال: ليس بإكذاب وهو ظاهر ما قاله هاهنا؛ ووجهه أنه يقول: أنا ما قذفتها لأن القذف هو القول الكذب الزور، وإذا قلت: حقًا؛ والبينة إنما شهدت على أني قلت لها: يا زانية وأنا صادق في ذلك ولست بقاذف؛ فلا يكون فيه تكذيب لنفسه. ومن أصحابنا من قال: هذا تكذيب منه لنفسه لأنه نفي أن يكون قذف وقد قامت البينة عليه بالقذف وحكمنا عليه بالقذف. ألا ترى أنَّا نحده بالقذف إلا أنَّا مع كونه مكذبًا له أن يلاعن وثبت الزنا عليه، وإن كان قد جحد الكذب وصار مكذبًا فيه وهو اختيار أبي إسحاق. ومنهم من قال: هذا تكذيب منه لنفسه؛ ولكنه يلاعن لأنه يقول: ما قذفت ولكن هي زانية فيكون بهذا القول قاذفًا، ومتى قال لها: ألا إن هي زانية فقد أحدث قذفها فيلتعن لأجل هذا القذف الحادث ويحققه باللعان، ولو قال: كذبت فيما قلت هي ما زنت ولم أقذفها، لم يكن له اللعان وكذلك إذا ادعت عليه أن قال لها: يا زانية فقال: ما قلت ذلك، وأقامت البينة بذلك فقد كذب نفسه فعليه الحد ولا يلاعن لأنه تقدم منه إقرار بأنها ليست بزانية فليس له أن يرجع ذلك؛ وكيف يقول في لعانه: إني لمن الصادقين فيما رميتها به، ولم يوجد منه القذف على