واعلم أنه يشترط فيه الترتيب فيلاعن الرجل أولاً ثم تلاعن المرأة فإن لاعنت قبل لعانه لم يعتد به وتؤمر أن تلاعن بعده، قال الشافعي: فإن حكم الحاكم بصحة لعانها قبل لعانه نقضت حكمه وهذا لأن الله تعالى بدأ بالرجل في اللعان.
وقال أبو حنيفة ومالك: إن بدأت باللعان جاز ويعتد به وهذا غلط؛ لأن الله تعالى قال:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}[النور: ٨]، فجعل لعانها إدراء العذاب عنها. وقبل لعانه لم يجب عليها شيء بالإجماع ولأن اللعان يمين أو شهادة ويجوز تقديم واحد منهما على وقته. واختلف أصحابنا فيما ذكر الشافعي نقضت حكمه أنه لأي سبب (١٩٦/ أ] ينقض، فقال بعضهم: ينقص لمخالفة النص، وقال أبو حامد، لمخالفة قياس لا تحتمل غيره وهو ما ذكرنا.
واختلف من قال: بالنص على وجهين، أحدهما: نص التنزيل الذي ذكرنا من التعليل في درء العذاب عنها بعد وجوبه عليها. والثاني: نص السنة في قوله صلى الله عليه وسلم: حين ابتدأ في السعي بالصفا ثم بالمروة: "ابدؤوا بما بدأ الله به". وقال القفال: ومن جملة التأكيد في اللعان أن يأمر رجلاً ليضع يده على فم الزوج إذا أراد أن يذكر كلمة اللعنة، ويأمر امرأة أن تضع يدها على فم الزوجة إذا أرادت أن تذكر كلمة الغضب ويقول لكل واحد منهما: إنها موجبة أي تجب عليك اللعنة إن كنت كاذبًا ويجب عليك الغضب إن كنت كاذبة، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في امرأة العجلاني فتعتعت وقالت شيئًا فسمعه من قرب منها فحكي أنها قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم ثم مضت على يمينها، قال القفال: وفي هذا دليل على أنها تحد إذا امتنعت لأنه لا فضيحة في أن تحبس لتلاعن ويستحب أن يعظهما في ابتداء الأمر إذا حضر لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهما وقال: "إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا" فقال هلال: والله لقد صدقت عليها وقالت: كذب ثم تلاعنا.
مسألة: قال: "إلا أن تكونَ حائضًا فعلى بابِ المسجدِ".
قد بينا أنه يغلظ اللعان بالمكان فإن كانت طاهرًا ودخلت المسجد ولاعنت معه، وإن كانت حائضًا لاعن الزوج في المسجد فإذا فرغ منه لاعنت المرأة على باب المسجد لأن ذلك اللعان أشرف من الحوانيت والمازل ويحضر لعانها على باب المسجد الحاكم أو خليفته مع الجماعة أقلهم أربعة على ما ذكرنا وهذا لأنه لا يجوز [١٩٦/ ب] للحائض دخول المسجد والمكث فيه لا بقدر الخصومة ولا غيرها.
مسألة: قال: "أو كانت مشركة التعنت في الكنيسة وحيث تعظم".