برئ غير أني أحب له في الورع لو أحنث نفسه لأنها خرجت عاصية له عند نفسها وإن كان قد أذن لها".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، إذا حلف بطلاقها أن لا تخرج إلا بإذنه، وأذن لها ولم تعلم بالإذن حتى خرجت لم يحنث، ولا يكون علمها بالإذن شرطًا في البر، وهذا مذهب الشافعي وبه قال أبو يوسف وقال مالك وأبو حنيفة ومحمد يحنث، ويكون علمها بالإذن شرطًا في البر، استدلالاً بأربعة معانٍ:
أحدها: أن الإذن تضمن الإعلام لقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحج: ٢٧]، أي أعلمهم بفرضه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "إذا حللت، فآذنيني"، أي: أعلميني. وقول الشاعر:
آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
أي: أعلمتنا، فإذا ثبت بالشرع واللغة أن الإذن يتضمن الإعلام صار شرطًا، فيه فإن عدم لم يكمل الإذن، فلم يقع به البر.
والثاني: أن الإذن أمر يخالف ما بعد حكم ما قبله، فجرى مجرى النسخ، ثم ثبت أن العلم بالنسخ شرط في لزومه كذلك العلم، بالإذن شرط في صحته.
والثالث: أنه ألزمها بخروجه عن إذنه أن تكون مطيعة في الخروج، فإذا لم تعلم بالإذن صارت عاصية بالخروج، فلم يكن هو الخروج المأذون فيه، فوجب أن يحنث به، ويصير عدم علمها بالإذن جاريًا مجرى عدم الإذن، لوجود المعصية فيهما، كمن باع ما لا يعلم أنه مالك له، ثم علم أنه قد كان مالكًا له، كان بيعه باطلاً، وجرى عدم علمه بالملك مجرى عدم الملك.
والرابع: أن الإذن يفتقر إلى آذن، ومأذون له، كالكلام الذي يفتقر إلى قائل ومستمع، فلما كان المنفرد بالكلام يسلبه حكم الكلام، وجب أن يكون تفرده بالإذن يسلبه حكم الإذن.
ودليلنا أربعة معان:
أحدهما: إن الإذن يختص بالآذان، والعلم به مختص بالمأذون لها، وشرط يمينه إنما كان معقوداً على ما يختص به من الإذن دون ما يختص بها من العلم. ألا ترى أن اسم الإذن ينطلق على إذنه دون علمها، فوجب أن يكون موجباً لوجود الشرط، فلا يقع به الحثت، كما لو قال: إن قمت، فأنت طالق، طلقت بقيامه، إن لم تعلم.
والثاني: أنه لو كان العلم شرطًا في الإذن لكان وجوده من الحالف شرطًا فيه، كما كان وجود الإذن منه شرطًا فيه، فلما ثبت أنها لو علمت به من غيره صح، لو أذن لها