لو حلف لا يأكل هذه التمرة فأكلها إلا نواها وقمعها حنث؛ لأنه أكل مأكولها أو ألقى غير مأكولها. ولو أكلها إلا يسيرًا منها كنقرة طائر لم يحنث خلافًا لمالك.
لا فرق بين أن يقول: لا آكل هذه الحنطة، أو يقول: لا آكل من هذه الحنطة، في أنه إذا طحنها دقيقًا أو قلاها فجعلها سويقًا أو خبزها أو عصدها فأكل من ذلك لا يحنث؛ لأنه لم يأكل ما يقع عليه اسم حنطة، إلا أن قوله: من هذه الحنطة يقتضي بعضها، وقوله هذه الحنطة يقتضي جميعها. وقال أبو يوسف ومحمد: يحنث بكل ذلك. وقال أبو حنيفة: يحنث بالدقيق ولا يحنث بالخبز. وحكي عن أبي حنيفة مثل قولنا. واحتجوا بأن الحنطة تؤكل هكذا، فأشبه إذا قال: لا أكلت هذا اللحم فشواه وأكله حنث، وهذا لا يصح لما ذكرنا، فصار كما لو زرعها وأكل من حشيشها أو قال: لا أكلت هذا البيض فصار فرخًا فأكله لم يحنث، ويفارق ما قاس عليه؛ لأن اسم اللحم وصورته لم يزولا بخلاف مسألتنا.
فرع
إذا حلف لا يأكل من [٧/ ب] هذا الدقيق فخبزه وأكله لم يحنث، ولو استلف منه حشًا لا يحنث؛ لأن العرف أنه لا يؤكل منه إلا مخبوزًا، وهذا لا يصح؛ لأن في الحنطة لا يعتبر بقاء الاسم دون العرف بالاتفاق كذلك هاهنا، ولأنه يؤكل غير مخبوز من وجوه. وقال بعض أصحابنا بخراسان: من وجه لنا.
فرع آخر
لو قال: لا أكلمه شابًا فكلمه شيخًا، أو قال: لا أكلت جديًا فأكله تيسًا، أو قال: لا آكل تمرًا فأكل رطبًا لا يحنث قولًا واحدًا؛ لأن اليمين ها هنا تعلقت بالصفة دون العين ولم توجد الصفة. ولو قال: والله لا أكلم هذا الصبي فصار شابًا، أو لا أكلم هذا الشاب فصار شيخًا، أو لا أكلت من لحم هذا الجدي فصار تيسًا، أو لا أكلت هذه البسرة فصارت رطبة، أو هذه الرطبة فصارت تمرة هل يحنث؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يحنث لزوال الاسم.
والثاني: يحنث؛ لأن صورتها لم تزل بل تغيرت الصفة.
وقال أبو حنيفة: في الحيوان يحنث، وفي الباقي لا يحنث؛ لأن قصده بأن لا يكلم الشاب لاستخفاف به وذلك لا يزول بكبره، وكذلك قصده باليمين أن لا يأكل لحم الجدي وذلك المعنى لم يزل وهذا صحيح؛ لأن المعتبر في اليمين الاسم دون القصد، ولهذا لو حلف لا يأكل هذا اللحم فأكله نيئًا يحنث وإن كان القصد به الانتفاع من أكله مطبوخًا.