وقال بعض أصحابنا بخراسان: إذا قال لا آكل هذه الحنطة فجعلها دقيقًا فأكلها هل يحنث؟ فيه وجهان:
أحدهما: يحنث بكل ما يتخذ منها، ومعناه لا آكل شيئًا يتخذ من هذه الحنطة.
والثاني: لا يحنث، ومن للتبعيض، أي لا آكل قليلها وكثيرها.
قال: وقيل: نص الشافعي رضي الله عنه على أنه إذا قال: لا آكل هذه الحنطة فاتخذها دقيقًا فأكل منه لا يحنث، ونص أنه لو قال: لا آكل هذا السخل فصار كبشًا، أو لا أكلم هذه الصبي فصار شيخًا فكلمه، أو أكل التيس حنث [٨/ أ] فمن الأصحاب من قال: في الكل قولان، ومنهم من فرق بأن في مسألة الحنطة والتمر ذكر الاسم وقد تبدل الاسم، والصبي صفة فتبدل الصفة لا يوجب سقوط حكم الحنث، وأيضًا الحنطة تصير خبزًا، والتمر يصير عصيدة بفعل وعلاج، والسخلة تصير كبشًا بفعل الله تعالى عند مضي الزمان، وهذا إذا عَرَّف فأما إذا نَكَّر فقال: صبيًا فكلم شيخًا حنث على ما ذكرنا، وهذا كله تخليط والاعتماد على ما ذكرنا أولًا.
فرع آخر
لو حلف لا يشرب هذا العصير فشربه خمرًا، أو قال: لا أشرب هذا الخمر فصارت خلًا لا يحنث وجهًا واحدًا؛ لأنه اقترنَ بزوال الاسم زوالُ الحكم.
فرع آخر
لو حلف لا يلبس هذا العزل فنسجه ثوبًا حنث بلبسه وجهًا واحدًا؛ لن الغزل لما كان لا يلبس إلا منسوجًا صار مضمرًا في اليمين والمضمر في الإيمان كالمظهر، كما لو قال: لا آكل هذا الحيوان حنث بأكله مذبوحًا وإن لم يكن حيوانًا عند أكله؛ لأنها صفة مضمرة فجرى عليها حكم المظهر.
فرع آخر
لو حلف لا يشم البنفسخ أو الورد فشم دهن البنفسج أو الورد لا يحنث. وقال أبو حنيفة: يحنث بدهن البنفسج دون دهن الورد لعرف أهل الكوفة؛ لأنهم يسمون دهن البنفسج بنفسجًا ولا يسمون دهن الورد وردًا.
وقال أحمد: يحنث بدهن البنفسج والورد أيضًا؛ لأن المقصود الرائحة. قلنا: هذه تسمية مجازًا والحقيقة أولى، ولأن البنفسج اسم لجسم ذي رائحة فلا يجوز أن يتعلق حكمه بالرائحة وحدها ولهذا لو شم بنفسجًا بعد انتقال رائحته إلى الدهن حنث عندنا خلافًا لأبي حنيفة.
فرع آخر
لو يبسا كان في الحنث بهما بعد يبسها وجهان، أحدهما: لا يحنث، كمن حلف لا يأكل رطبًا فأكل تمرًا.
والثاني: يحنث لبقاء اسمه وصفته ويخالف التمرة لأنه زال عنه اسم الرطب وبقي اسم الورد والبنفسج على ما يبس منه. [٨/ ب]