وروى أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا أستعمل - أو لا يُستعمل - على عملنا من أراده".
قيل: قال الفقهاء: الأولى أن يطلب ذلك ولا يتعرض له حتى يُساق إليه من غير طلبه لهذا الخبر؛ ويستحب له أن يجيب إليه إذا كان مطلوباً؛ وهذا لأن الطلب تكلف والإجابة معونة. وقال [٦٤/ أ] بعض أصحابنا: يكره له الطلب بكل حالٍ؛ ولكن تستحب له الإجابة إذا كان مطلوباً ذكره في " الحاوي".
وقال القاضي الطبري: تأويل الخبر عندي إذا أسرع الطلب من غير أن يقف الإمام على حاله؛ فهذا يكره حتى يستبحث الإمام عمن يستحقه ويصلح ويوليه؛ ولا يفوت عليه رأيه بالإطماع في الطلب هذا المنع على هذا الوجه؛ فأما إذا علم الإمام حاله ورآه موضعاً للقضاء يكره له طلبه؛ بل يستحب له على ما ذكرته والله أعلم.
وهكذا إذا كانت الحقوق مُضاعة لجور أو عجزٍ والأحكام فاسدةٌ بجهلٍ أو هوى؛ فقصد بطلبه حفظ الحقوق وحراسة الأحكام؛ يستحب له طلبه ولا شك في هذا؛ لأنه يقصد أمراً بمعروفٍ ونهياً عن منكر؛ ويستحق به الأجر من الله تعالى.
قال أصحابنا: وقد أخبر الله تعالى عن يوسف - عليه الصلاة والسلام- إنه طلب فقال:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥]؛ إنما طلب على المعنى الذي ذكرنا شفقة على المسلمين لا منفعة للمسلمين.
وأما الضرب الثالث الذي لا يستحب له فعله ويستحب له تركه: فهو أن يكون رجلاً من أهل العفة والأمانة تقياً معروفاً بالعلم؛ يرجع إليه في الفتوى؛ فالأولى له الاشتغال بتعليم العلم والفتيا؛ ويترك طلب القضاء لما فيه من الضرر والخطر؛ وعلى هذا يحمل امتناع من امتنع من تقلد القضاء من الصحابة والتابعين؛ وقد قال تعالى:{إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ والأَرْضِ والْجِبَالِ} الآية [الأحزاب:٧٣].
وأما اضرب الرابع الذي يحرم عليه القضاء: فهو أن يكون جاهلاً بالحكم أو فاسقاً؛ فلا يحل لهما أن يتوليا القضاء؛ وإن ولاهما لا تصح أحكامهما ولا تنفذ قضايهما.
وقال في " الحاوي": والطلبة خمسة؛ مستحب؛ ومحظور؛ ومباح؛ ومكروه؛ ومختلف فيه:
فأما المستحب:[٦٤/ب] فأن تكون الحقوق مضاعة على ما ذكرنا.
وأما المحظور: فأن يقصد بطلبه انتقاماً من أعدائه أو تكسباً بارتشاء فيأثم به.