وأما المباح: فأن يطلب لاستمداد رزقه أو لاستدفاع الضرر به فهو مباح؛ لأن المقصود به مباحٌ.
وأما المكروه: فأن يطلب المباهاة والاستعلاء؛ قال الله تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًا فِي الأَرْضِ} الآية [القصص:٨٣].
وأما المختلف فيه: فأن يطلب رغبة في الولاية. والنظر فيه ثلاثة أوجهٍ للسلف ولأصحابنا: أحدهما: يكره أن يكون طالباً ويكره أن يجيب إليه مطلوباً؛ وهو ظاهر قول ابن عمر- رضي الله عنهما- ومكحول وأبى قلابة ومن يخشى من الفقهاء؛ وطلب السلامة لما ذكرنا من أخبار النهى.
والثاني: يستحب أن يكون طالباً وأن يجيب إليه إذا كان مطلوباً؛ وهو ظاهر قول عمر - رضي الله عنه - والحسن؛ ومسروق ومن يُساهل من الفقهاء وقال: إن التعاون على البر والتقوى لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من طلب القضاء حتى يُنال؛ فإن غلب عدله جوره فله الجنة؛ وإن غلب جوره عدله فله النار"؛ ولأنه فرض لا يؤدى بالتعاون؛ والله تعالى يقول:{وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى} الآية [المائدة: ٢].
والثالث: وهو أعدلها يكره أن يكون طالباً ويستحب أن يجيب إليه مطلوباً؛ وهو قول أكثر المتوسطين في الأمور من الفقهاء؛ وهذا كله حسن.
فرع آخر
لو بذلك على طلب القضاء مالاً؛ فإن كان واجباً متعيناً عليه أو مستحباً له ليزيل جور غيره فبذله على هذا الطلب مستحب له؛ وقبوله على القابل له. وإن كان طلبه محظوراً فبذله على هذا الطلب محظور؛ وإن كان طلبه مكروهاً فبذله على هذا الطلب مكروه فيخلف الحكم بحال الطلب لامتزاجهما، فقبوله اشد محظوراً وتحريماً. [٦٥/ أ] وإن كان طلبه مُباحاً فيعتبر البذل؛ فإن كان بعد التقليد لم يحرم على الباذل وحرم على القابل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" هدايا الأمراء غلول ". وإن كان البذل قبل التقليد حرم على الباذل والقابل جميعاً؛ لأنها من الرشي المحظورة على باذلها وقابلها لرواية أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله الراشى والرائش والمرتشي". فالراشي: باذل الرشوة؛ والمرتشى: قابلها؛ والرائش: المتوسط بينهما. وقال عبد الله بن عمرو: