للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما السمع فقد يستقر بالشاهد على الغائب في القبلة بقوله تعالى: {وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤].

وفي الجمع بين المشتبهين في المماثلة وجزاء الصيد بقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥]. وفي التسوية بين المتفقين في المعنى لاعتبار الرق في حد العبد بالزنا بحد الأمة بقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ} [النساء: ٢٥] الآية.

فإن قيل: أحكام العقل متفقة وأحكام السمع مختلفة فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر. قلنا: نحن نقيس على أحكام السمع ما وافقها كما نقيس على أحكام العقل ما وافقها، فصار كل واحد منهما أصلاً لفروعه في المماثلة.

فإذا تقرر هذا فالقياس قياسان؛ قياس معنى وقياس شبه. والفرق أن قياس المعنى ما لم يكن لفرعه إلا أصل واحد أخذ حكمه من معناه. وقياس ما تجاذبته أصول فليحق بأقواها شبهاً به، فصار قياس المعنى أقوى من قياس الشبه على الوجهين.

ثم قياس المعنى ينقسم قسمين؛ خفي وجلي. فأما الجلي فيكون معناه في الفرع زائداً على معنى الأصل. والخفي يكون معناه في الفرع مساوياً لمعنى الأصل. والقياس الجلي على ثلاثة أضرب:

أحدها: ما عرف معناه من ظاهر النص بغير [١٤٠/أ] استدلال، ولا يجوز أن يرد التعبد فيه بخلاف أصله، وذلك مصل قوله تعالى: {فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣]، فدل تحريم التأفيف ببديهة النص على تحريم الضرب والشتم لما فيه من إهانة الأبوين والأذى. ويجوز أن يحرم التأفيف ويبيح الضرب والشتم، فصار تحريم الضرب والشتم مأخوذاً من تحريم التأفيف قياساً، ومثله قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] الآية. فلا يجوز أن يجازي على قليل الطاعة ولا يجازى على كثيرها، ويعاقب على قليل المعصية ولا يعاقب على كثيرها. وقال القفال الشاشي: حكم ذرة ونصف ذرة بمنزلة، وإنما قال هذا حتى لا يقول مهوس الكثير ذرات والاسم متناول لها، ومثله قوله: {ومِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إن تَامَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] الآية، فالأمين على القنطار هو على الدينار آمن والخائن في الدينار هو في القنطار أخون. ومثله قوله تعالى: {وإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} [الأنبياء: ٤٧] وقوله تعالى: {ولا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: ١٢٤].

وقال بعض مشايخنا: لا يسمى هذا قياساً؛ لأن العرب وضعت هذه اللفظة للتنبيه على ما زاد عليه، فيكون النهي عن الضرب والشتم باللفظ دون المعنى، وسماه بعضهم مفهوم الخطاب، وقيل: هو فحوي الخطاب، قالوا: والقياس ما خفي حكم المسكوت عنه بالاستدلال من المنصوص عليه، فما خرج عن الخفاء لم يحتج إلى الاستدلال فليس بقياس. وقال نفاة القياس: مثل هذا لا يكون قياساً، [١٤٠/ب] بل هو نص. وقيل: إنه تنبيه وهذا غلط؛ لأن النص ما عرف حكمه من اسمه. والقياس ما عرف حكمه من اسم غيره وقد وجد هنا؛ لأن اسم التأفيف لا ينطلق على الضرب كما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>