للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القوت, ونحن نقول: وجدنا أنه إذا بذر الحنطة فصار حشيشًا لا ربا فيه, فإذا انعقد حبًا جرى الربا فيه, فإذا أُحرق وصار رمادًا لا ربا فيه, فالتأثير للطعم, فكان هو العلة. وقد روى أن النبي- صل الله عليه وسلم- "نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلًا بمثلٍ" فذكر الطعام فيه يدل على تعلقه به؛ لأن ذكر الصفة في الحكم تعليلًا له به في مقتضى اللغة.

ومن أصحابنا من قال: هذا أيضًا من جملة الجلي, ولكن ما تقدم أجلي من هذا. وقيل: النوع الأول هو القياس الواضح, ذكره أبو إسحاق, والعبارة صحيحة لما ذكرناه.

وأما القياس الخفي: فهو قياس علة الشبه, وقد ذكرنا شرحه وقيل: صورته أن تتردد الحادثة بين أصلين, وكان الحكم ثابتًا في احد الأصلين بعلةٍ ذات خمسة أوصاف, وفي الأصل الآخر بعلة ذات خمسة أوصافٍ, والحادثة تشبه احد الأصلين بأربعة أوصافٍ وتشبه الأخرى بثلاثة أوصافٍ, فإلحاقها بأكثرهما شبهًا أولى, فهذه طريقة القائل الأول أن القياس على ثلاثة أضربٍ.

فأما من قال القياس على أضرب فإنه يقول: الجلي هو الأول من الأقسام [١٥١/ ب] التي ذكرناها وهو التنبيه. والواضح باقي الأقسام من القياس الجلي. والخفي هو القياس في الأحكام. والرابع قياس علة الشبه, وهذه الطريقة أصح؛ لأن الأول هو الجلي في الحقيقة يقع لكل أحدٍ معناه, والواضح يجوز أن يرد الشرع بخلاف معناه, ولا خلاف في نقص الحكم بهما على ما ذكرنا, وإنما الخلاف في التسمية. وقال بعض أصحابنا بخراسان: القياس قياسان.

أحدهما: جلي ويسمى قياسًا في معنى الأصل, وهو أن يكون للفرع والأصل واحد يشبهه, ولا عذر في ترك إلحاقه به.

والثاني: قياس خفي, وهو أن يتردد الفرع بين أصلين, فيشبه هذا من وجه وهذا من وجهٍ, فإن أشبه أحدهما بمعنى يخل الحكم فيجوز أن يكون علة لذلك الحكم, غير أنه يشبه أصلًا في وصفٍ وأصلًا في وصفين, فأكثر فإلحاقه بأكثرها شبهًا به أولى, مثل الأخ تردد بين أن يكون كالأب وبين أن يكون كابن العم, وهو يشبه الأب من وجهٍ, وهو أنه محرم بالقرابة, ويشبه ابن العم لوجوهٍ كثيرة من قبول الشهادة, وسقوط النفقة عند اختلاف الدين بالاتفاق, وجريان القصاص من الطرفين بينهما, وجريان حد القذف, وحل حليلة أحدهما لصاحبه بإلحاقه بابن العم حتى لا يعتق عليه إذا ملكه أولى. واعلم أن كثرة الشبه القوي أحد جانبي القياس إذا لم يكن إثبات الحكم بكل واحدٍ من الأوصاف, فأما إذا لم يقم الحكم إلا بجموع أوصافٍ حتى يرد بها إلى أصلٍ ويرد إلى أصلٍ آخر بوصف واحدٍ, فإن كان ذلك الوصف من جملة هذه الأوصاف فتعلق الحكم بالوصف [١٥٢/ أ] الواحد أولى, وإن وصفًا آخر سوى الأوصاف المجموعة فيما سواه, مثل علة الطعم في الربا أولى من علة القوت؛ لأنه ما من قوتٍ إلا وهو طعام, وكان من علل به علل بالطعام وزيادة وعلة الطعم والكيل يستويان فتقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>