للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثالث: التناقض, فالحلال ليس بحرامٍ, والحرام ليس بحلالٍ, وهو بالقولين حلل في أحدهما وحرمه في الآخر.

والرابع: أنه إن كان ذلك لضعف اجتهاده أو لرأيه في تكافئ الأدلة فهو نقص, ولا يجوز أن يكون مع تكافؤ الأدلة أن يكون له فيها حكم, ولا يقول الأكثرون بتكافؤ الأدلة.

قلنا: ما ذكره الشافعي وضع من القولين ينقسم عشرة أقسام:

أحدهما: أن يقيد جوابه في موضع ويطلقه في موضع آخر, مثل قوله في أقل الحيض أنه يوم وليلة. وقال في موضع آخر: أقل الحيض يوم, وأراد به مع ليلته وهو معهود في كلام العرب. وجاء القرآن العظيم بحمل المطلق على ما قَيّدَ من جنسه كما في العدالة, قال الله تعالى: [وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ {[البقرة: ٢٨٢] , ولم يذكر العدالة.

وقال في موضع آخر: [وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ {[الطلاق: ٢] , وحمل ذلك المطلق على هذا المقيد, فلا اعتراض فيه عليه, وإن وهم بعض أصحابه فخرجه قولًا ثانيًا فلا يؤاخذ بوهمه الشافعي.

والثاني: ما اختلفت فيه ألفاظه [١٥٣/ أ] ومعانيها متفقة, مثل قوله في المظاهر: وإذا منع من الجماع أحببت أن يمنع القبلة, وقال في "القديم": رأيت أن يمنع, فأراد الاستحباب, فإن حمله بعض أصحابنا على قولين كان لاختلافهم في تأويل لفظه؛ لان قوله: رأيت, يحتمل أن يُحمل على الاستحباب والإيجاب, ولا يمتنع وجود مثله في كتاب الله تعالى, فلم يتوجه به على الشافعي اعتراض.

والثالث: ما اختلف فيه قوله لاختلاف حاله, كالصداق إذا ذكر في السر قدرًا وذكر في العلانية أكثر. قال في موضع: الصداق صداق السر, وقال في موضع: الصداق صداق العلانية, وليس ذلك لاختلاف القولين فيه, بل لاختلاف حال الصداق, فإن اقترن بصداق السر عقد فهو المستحق وصداق العلانية يهمل. وإن اقتران بصداق العلانية عقد فهو المستحق وكان صداق السر موعدًا, وقد أبان ذلك بما قرره من أصول مذهبه.

والرابع: ما اختلف قوليه فيه لاختلاف القراءة ولاختلاف الرواية, فالقراءة كقوله تعالى: [أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ {[المائدة: ٦] , فلمستم يوجب الوضوء على اللامس دون الملموس, ولامستم يوجب الوضوء على اللامس والملموس. واختلاف الرواية كالمروي في بيان المواقيت أنه- صل الله عليه وسلم - صل العشاء الآخرة في الوقت الثاني حين ذهب من الليل نصفه, وروى ثلثه. فمن أجل اختلاف القراءة واختلاف الرواية اختلف قوله.

ومثل هذا لا يتوجه عليه إنكار فيه؛ لان اختلاف الدليل يوجب اختلاف المدلول.

والخامس: ما اختلف فيه؛ لأنه عمل في أحد القولين على ظاهرٍ من كتاب الله تعالى, ثم بلغته سنة ثابتة نقله عن الظاهر إلى قولٍ آخر, كقوله تعالى: [فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ {[البقرة:١٩٦] , فاوجب صيامها في أيام التشريق؛ لأنها الظاهر [١٥٣/ ب] من

<<  <  ج: ص:  >  >>