للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يمنعك قضاء قضيت اليوم ثم راجعت رأيك فهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق, فإن الحق لا يبطله شيء, وأن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل.

وروى أن عمر- رضي الله عنه- كان يفاضل بين الأصابع حتى رُوي أن الخبر بخلافه [١٥٥/ أ] فرجع عن قوله الأول ونقض حكم نفسه.

ونقض عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- حكم نفسه حين قضى على مخلد بن خفافٍ برد العيب مع غلته وأخبر عروة عن عائشة- رضي الله عنها- أن النبي- صل الله عليه وسلم-: "قضى أن الخراج بالضمان" فأمر برد الغلة إلى مخلد بن خفاف. وروى أن شريحًا قضى في امرأة ماتت وخلفت زوجًا وابني عم أحدهما أخ لأمٍ, أن للأخ النصف والباقي لابن العم الذي هو أخ لأمٍ, وأجراهما مجرى الأخوين أحدهما لأبٍ, والآخر لأبٍ وأمٍ, فأخبر علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بذلك فقال: عليَّ بالعبد الأبطر- يعني الغليظ الشفة- فأتى به, فقال: بما قضت؟ فقال: بكتاب الله تعالى. قال: وأين قال الله تعالى: [وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ {[الأنفال: ٧٥] , فقال: هل في كتاب الله أن للزوج النصف والباقي للأخ الذي هو ابن عمٍ؟ قال: لا ينقض عليه حكمه.

فإن قيل: هذه المسألة مجتهد فيها ولا نص يخالفه, فلماذا نقضه؟ قلنا: إنما نقضه لأنه خالف فيه ظاهر النص, وهو قوله تعالى: [وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ {[النساء: ١٢] وقيل: إنه لم ينقض عليه حكمه, وإنما رده عليه قبل نفوذ حكمه به. فإن قيل: أليس قلتم إذا اتفق الخطأ في القبلة لا يلزمه إعادة الصلاة في أحد القولين فما الفرق؟ قيل: الفرق من ثلاثة أوجهٍ:

أحدهما: أن فرض القبلة يسقط في حال العذر مع العلم بها في حال ولا يجوز ترك الحق إلى غيره في الحكم مع العلم بحاله.

والثاني: الصلاة من حقوق الله تعالى, وهي مبنية على المسامحة, والقضاء يقع في حقوق الآدميين وهي مبنية على المشاحة والمضايقة.

والثالث: في القبلة يتكرر الاشتباه [١٥٥/ ب] فيشق القضاء, وهنا إذا بان الخطأ بالنص لا يعود الاشتباه بعد ذلك.

وإن كان الخطأ مما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينقض الحكم فيه على نفسه ولا على غيره, ولكن في المستقبل ليس له أن ينقض بالقضاء الأول؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه إن كان لا يشرك بين الأخ للأب والأم ثم شرّك وقال ذلك, وهذا على ما قضينا. وذكر بعض أصحابنا بخراسان: أنه لما قيل له: هب أن أبانا كان حمارًا نقض القضاء, وهذا غلط.

وروى أن عمر رضي الله عنه قضى في الحد بسبعين قضية, وقيل: بمائة قضية مختلفة, يعني في مسائله, إذ لا يتصور لمسألة واحدة مائة قضية. وكان لا ينقض الأول

<<  <  ج: ص:  >  >>