للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا, وإن شهدا بمالٍ أو نكاحٍ اقتصر على الظاهر, ولا يحتاج إلى السؤال إلا أن يطعن الخصم ويقول: هما فاسقان, فحينئذ يلزمه السؤال, واحتج بأن أعرابيًا جاء إلى النبي- صل الله عليه وسلم-[١٦٠/ ب] فشهد برؤية هلال رمضان, فقال له: "أتشهد أن لا إله غلا الله؟ ". قال: نعم. فقال: "أتشهد أني رسول الله؟ " فقال: نعم. فصام وأمر الناس بالصيام.

ودليلنا أن ما وجب البحث عنه في شهود القصاص يجب في شهود الأموال, كالإسلام, والعدالة إذا طعن الخصم فيها. وأما الخبر الذي ذكره فنقول: صار إلى الإسلام وترك دين الكفر في زمان رسول الله- صل الله عليه وسلم- فقد أنثى الله تعالى عليه ووصفه بالعدالة فلم يحتج إلى البحث عن حاله. وقال مالك في روايةٍ: إن كان لهم سيما جميل وسمت حسنٍ حكم بشهادتهم من غير بحثٍ عن عدالتهم, وغن لم يكونوا كذلك يجب البحث.

فإذا تقرر هذا فلا يخلو حال الشهود من احد أمرين؛ إما أن يكونوا وافري العقول بحسن حالهم بحيث لا تسبق التهمة إليهم, أو كانوا من جملة الأغنياء والعوام الجهال بحيث تسبق التهمة إليهم، فإن كانوا وافري العقول وحسنت حالهم لم يتعرض لهم؛ لأن الاحتياط لا يفيد مع أمثالهم؛ وإن كانوا بخلاف ذلك يحتاج أن يفعل الحاكم معهم أمرين: أحدهما: أن يفرقهم ويسأل كل واحدٍ على الانفراد عن الشهادة وكيف تحملها, وفي أي وقتٍ كان, وفي أي موضعٍ, ومن حضره, وهل جرى ثم كلامٌ ونحو ذلك, فإن اختلف كلامهم ردهم, وإن اتفق كلامهم ورأى أن يعظهم وعظهم وخَوّفَهم, وحذّرهم من الكذب وشهادة الزور, وغن كان تم حال حسنة ولم يكن سدة العقل, يستحب أن يفعل هذا أيضًا ليستدل على عورةٍ إن كانت في شهادته. وإذا سال واحدًا لم يدعه يرجع إلى أصحابه؛ لأنه ربما يخبرهم بما قال فيقولون مثل قوله.

والدليل على هذه الجملة ما روي أن أربعة [١٦٠/ أ] من حواشي نبي الله داود- عليه السلام- هموا بإصابة امرأة, فامتنعت عليهم فشهدوا عليها عند داود- عليه السلام- بالزنا, وروي أنهم نسبوها إلى الكلب وقالوا: إن كلبًا أتاهم, فهم داود- عليه السلام- برجمها, فبلغ ذلك سليمان- عليه السلام- وهو يلعب مع الصبيان, فاستدعى بأربعةٍ من الصبيان فشهدوا بمثل ذلك, ففرقهم وسألهم, فاختلفوا فرد شهادتهم, فبلغ ذلك داود عليه السلام ففرق الشهود وسألهم فاختلفوا فرد شهادتهم.

وروى انه سأل كل واحدٍ عن لون الكلب وصفته فاختلف كلامهم في لونه فردهم, وهذا قول على أن في شريعة داود- عليه السلام- كان الزنا بالكلب موجبًا للحد. وروى أن سبعة نفرٍ خرجوا في سفرٍ ففقد واحد منهم, فجاءت امرأته إلى على - رضي الله عنه - تدعى عليهم بقتله، ففرقهم وأقام كل واحد منهم إلى ساريةٍ ووكل به رجلًا, واستدعى احدهم وسأله فأنكر, فقال علي رضي الله عنه: الله اكبر, فظنوا حين سمعوا تكبيره انه كبر على إقرار الأول, ثم استدعى واحدًا بعد واحدٍ فأقروا, فقال الأول: أنا ما أقررت علي رضي الله عنه: قد شهد عليك أصحابك وأنا قاتلك,

<<  <  ج: ص:  >  >>