للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل

وهذا كما قال الرجل إذا نابه شيء في صلاته، مثل إن سها إمامه، أو رأى أعمى متردٍّ في بئر، أو طرق عليه الباب، وهو في الصلاة، فله أن يسبّح يقصد به الإعلام والتحذير، والإذن بالدخول. ولو قرأ: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ} [المائدة: ٢٣]، أو قال: {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: ١٢] [١٠٦ ب/ ٢]، أو {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢]، بقصد الأمر بالقراءة جاز، وهذا إذا قصد به قراءة القرآن مع أمره به، فإن لم يقصد به قراءة القرآن أصلًا، بطلت صلاته، لأنه خطابٌ آدمي.

وقال أبو حنيفة: إن قصد به إفهام الآدمي، بطلت صلاته إلا أنه ينبّه إمامه أو المارّ بين يديه، وكذلك لو أرتج على الإمام له أن يفتتح القراءة عليه وعلى غيره، وسواء كان الغير في الصلاة أو في غيرها، ولا فرق بين أن يكون ذلك ابتداء من جهته أو جوابًا. والمستحب للمرأة أن تصفق في كل ما يسبّح فيه الرجل، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا ناب أحدكم شيء في صلاة فليسبح، فإنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء".

وأصل الخبر ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ليصلح بين قبليتين فأبطأ، فقال بلالٌ لأبي بكر الصديق: استأخر مجيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفاقيم لتصلي بالناس؟ فقال أبو بكر: شئت، فأقام وتقدم أبو بكر فلما أحرم حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل الناس يصفقون ويخرقون الصفوف وكان أبو بكر لا يلتفت فلما أكثرو علم أنه جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أحرم، فأشار إليه أن اثبت مكانك، فرفع أبو بكر يده فحمد الله شكرًا، إذ رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك المقام ثم استأخر، وتقدم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغ من الصلاة، قال للناس: "أحسنتم"، يعني: حين لم يؤخروا الصلاة انتظارًا لي. وقال لأبي بكر: "هلّا ثبت مكانك إذ أمرتك"، فقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للقوم: "ما لي رأيتكم تصفقون؟ من نابه شيء في صلاة فليسبّح، فأما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء"، فإن لم يتسع الإمام أنه سها لا يعمل بقول المأموم، لأن من شك في فعل نفسه لا يرجع إلى قول غيره، كالحاكم [١٠٧ أ/ ٢] إذا نسي حكمه، فشهد عنده شاهدان أنه حكم، وهو لا يذكره.

وقال أبو هريرة رضي الله عنه مثل هذا. وقال مالك: "المرأة تسبّح كالرجل".

فرع

التصفيق ليس أن تضرب كفًا على كف، لأن ذلك يشبه اللهو، بل تضرب كفها اليمني على ظهر كفها اليسرى، وهو اختيار القفال والقاضي الطبري وهو الأصح، والأصابع من الكلف. وقيل: هو أن تضرب ظهر كفها اليمنى على بطن كفها الأيسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>