دل على ما قلناه، فإن قيل: الأب لما لم يكن متعينًا لم تثبت الأبوة والأخ. من جهة الأب، قد يتعين، فوجب أن تثبت الإخوة ألا ترى أن الأم لما تعينت ثبتت الأمومة، قلنا: الأب لما لم يتعين لم يثبت أب، وإذا لم يكن أب لم يجز أن يكون أخ من أب، ولأن هذا يقتضي أن الصادق لو أخبر أنه مخلوق من ماء الزاني لم تثبت الأبوة وترثه الأم، فإن ارتكب هذا القائل هذا خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم:"وللعاهر الحجر".
فرع:
إذ لاعن من زوجته الابنة حرمت عليه، ولو اشتراها بعد ذلك لم يحل له وجهًا واحدًا، ولو اشترى للمطلقة الثلاث حلت له في أحد الوجهين، والفرق أن تحريم الطلاق [ق ٩ ب] لا يتأبد لأنها تحل بعد زوج آخرٍ وإصابته؛ بخلاف تحريم الملاعنة فإنه يتأبد، ولأن تحريم الطلاق يختص بالنكاح فحلت بملك اليمين، وتحريم اللعان لا يختص بالنكاح، لأنه يصح في النكاح الفاسد، وفي البائنة فافترقا.
إذا ولدت امرأته ولدين ولم يعترف لواحد منهما بل نفاهما فمات أحدهما لاعن عن الحي والميت جميعًا، فإذا لاعن عليهما انتفيا عنه.
واعلم أنه لم يذكر الشافعي لفظ اللعان ههنا، ومراده إن سمي في اللعان الحي والميت جميعًا ولا ينفي عن أحدهما بتسمية الثاني، وإن كانا في بطن واحدٍ لأنهما لا ينفيان إلا معًا ولا يثبتان إلا معًا.
وقال أبو حنيفة: يلحقه نسب الحي ويلاعن للقذف، وبنى ذلك على أصله أنه لا يجوز نفي الميت باللعان، وإذا لم ينف الميت لم ينف الحي لأنهما حمل واحد فلا يصح نفي بعضه، واحتج على أن الميت لا يصح نفيه بأنه انقطع نسبه بموته فلا حاجة إلى نفيه باللعان، كما لو ماتت لا يلاعنها بعد الموت لقطع النكاح، وهذا غلطٍ؛ لأن هذا الميت ينسب إليه يقال: هذا ابن فلان فيلزمه تكفينه وتجهيزه فكان له قطع نسبه وإسقاط مؤنته عن نفسه. وأما ما ذكره لا يصح لأنه بيَّنا أنه لم ينقطع نفيه بموته، ولو مات الولدان معًا أو كان مال ولدٌ واحدٌ فمات.
قال أصحابنا بالعراق: يلاعن أيضًا للنفي على ما ذكرنا، وقال بعض أصحابنا: لا يلاعن ههنا للنفي ولكن يلاعن لدرء الحد؛ لأنه لا ضرورة إلى اللعان في مثل هذا