للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين فيه. فإذا تقرر هذا فعدة الوفاة بشيئين بالحمل والشهور.

فإن كان حاملاً اعتدت به فإذا وضعته حلت، وظاهر الآية يوجب عليها العدة بالأشهر، وإن كانت حاملاً، ولكن عرفنا ذلك بالسنة وهي أن سبيعة الأسلمية خرج زوجها في طلب عبيد له فكروا عليه فقتلوه، فوضعت بعد وفاته بنصف شهر، فخطبها أبو السنابل ابن بعكك فأبت عليه، فاجتاز بها يومًا وقد تصنعت للأزواج فقال لها: تصنعت للأزواج لا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر، وإنما قال ذلك طمعًا أن تتربص حتى يرجع وليها من غيبته فيحثها على الإجابة لأبي السنابل فأتت سبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قال أبو السنابل فقال صلى الله عليه وسلم: "كذب أبو السنابل قد حللت فأنكحي من شئت"، وإنما قال: "كذب" ولم يقل أخطأ لأنه صلى الله عليه وسلم عرف قصده، وأنه قال ذلك عن عمد، وإنما قال الشافعي: عرفنا هذا بالسنة ولم يقل بالآية، وهي قوله تعالى: {وأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ [ق ٧٨ ب] حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] لأن الآية وإن كانت عامة في نفسها فهي على أثر ذكر المطلقات فربما يقول قائل هي فيه الملقة لا في المتوفي عنها.

وروى أبو داود بإسناد خبر سبيعة على وجه آخر وهو الأصح وهو أن سبيعة تحت سعد بن خولة وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعالت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليه أبو السنابل ابن بعكك رجل من بني عبد الدار، فقال: مالي أراكي متجملة لعلكي ترجين النكاح أنكي والله ما أنتي بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال ذلك جمعت على ثيابي حتى لبست فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، فأمرني بالتزويج إن بدا لي وقوله: تعالت من نفاسها أي طهرت من دمها.

وروي عن علي ابن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: تعتد المتوفي عنها بآخر الأجلين. ومعناه أن تمكث حتى تضع حملها، فإن كانت مدة الحمل من وقت وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، فقد حلت، وإن وضعته قبل ذلك تربصت إلى أن تستوفي المدة.

وقال القفال: لم يصح هذا المذهب إلا عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وترك هذا المذهب عليهن وفيه نظر: وبقولنا قال عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وأبو هريرة رضي الله عنهم ومالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة. والدليل على هذا ما ذكرنا من الخبر، وروي عن أبي سلمى بن عبد الرحمن أنه قال: كنت جالسًا مع أبي هريرة [ق ٧٩ أ]

<<  <  ج: ص:  >  >>