ولأن المسلم قد ساوى الذمي حقن دمهما على التأبيد، فوجب أن يجري القصاص بينهما كالمسلمين.
ولأن حرمة نفس الذمي أغلظ من حرمة ماله وقد ثبت أن يد المسلم تقطع بسرقة ماله، فكأن أولى أن يقتص من يده بيده، لأن كافراً لو قتل كافراً ثم أسلم القاتل لم يمنع إسلامه من الاستيفاء للقود، كذلك لا يمنع من وجوب القود، ولأنه لما جاز للكافر قتل المسلم دفعاً عن نفسه كان قبله قوداً بنفسه، لأنهما في الحالين قتل مسلم بكافر.
ودليلنا قوله:{لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وأَصْحَابُ الجَنَّةِ}[الحشر: ٢٠] فكان نفي التساوي بينهما يمنع من تساوي نفوسهما، وتكافؤ دمائها، فإن قيل: ليس يجوز أن يقطع على هذا المسلم بالجنة لجواز كفره، ولا على الكافر بالنار لجواز إسلامه.
قيل: الحكم وارد في عموم الجنسين دون أعيان الأشخاص، وقد قطع لأهل الإيمان بالجنة وأهل الكفر بالنار وقال تعالى:{ولَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}[النساء: ١٤١] وهذا وإن كان بلفظ الخبر فالمراد به النهي، لأن الخبر لا يجوز أن يكون بخلاف مخبره، وقد نرى لكافر سبيلاً على المسلم بالتسلط واليد، ونفي السبيل عنه يمنع من وجوب القصاص عليه.
فإن قيل: وهو محمول على أن لا سبيل له عليه في الحجة والبرهان، فعنه جوابان:
أحدهما: أنه محمول على العموم اعتباراً بعموم اللفظ.
والثاني: أننا نعلم أنه لا سبيل له عليه بالحجة الدالة بهذه الآية فلم يجز حملها على ما هو معلوم بغيرها.
ويدل عليه من السنة وهو المعتمدة في المسألة ما رواه أبو هريرة وعمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقتل مؤمن بكافر".
وروى معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده".
وروى قتادة عن الحسن عن قيس قال: انطلقت أنا والاشتر إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقلنا له: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهده إلى الناس عامة؟ فقال: لا إلا ما في هذا الكتاب، وأخرج كتاباً من قراب سيفه فإذا فيه: "المسلمون تتكافأ دماءهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم. ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده".