الحارصة والدامية, والدامغة, والباضعة, والمتلاحمة والسمحاق, لا قصاص فيها, لأمرين:
أحدهما: أن مورها في اللحم وقصورها عن حد العظم يمنع من التماثل لعدم الغاية فيه كالجائفة.
والثاني: إن إثبات القصاص فيما دون الموضحة ينقص إلي أن يصير الاقتصاص منها موضحة لاختلاف الحلقة في جلدة الرأس لأنها تغلظ من قوم وترق من آخرين ولابد في الاقتصاص من تقدير عمقها حتى لا يتجاوز, وقد يكون عمقها من رأس المشجوج يبلغ إلي الموضحة من رأس الشاج, فنكون قد اقتصصنا من المتلاحمة بالموضحة وهذا غير جائز, فلهذين المعنيين سقط القصاص فيما دون الموضحة, هذا مذهب الشافعي, ومقتضى أصوله, وما نص عليه في كتاب "الأم" وغيره, وقال في كتاب "حرملة": لأن ذلك في لحم, غير أن المزني نقل عنه في هذا الموضع: "ولو جرحه فلم يوضحه اقتص منه بقدر ما شق من الموضحة", وظاهر هذا يقتضي وجوب القصاص فيما دون الموضحة, فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه وهم من المزني في نقله؛ لأن الشافعي لم يذكره في شيء من كتبه, وهذا لا وجه لأن المزني أضبط من نقل عن الشافعي وأثبتهم رواية.
والثاني: أن هذا محمول على قول ثان, فيكون القصاص فيما دون الموضحة على قولين.
والثالث: أنه ليس بقول ثان بخلاف نصه في جميع كتبه, وإنما هو محمول على استيفائه إذا أمكن, وهذا قول أبي إسحاق المروزي, وأبي علي بن أبي هريرة وأكثر أصحابنا, فإن لم يكن فلا قصاص, وليس يمكن استيفاء القصاص منه إلا على وجه واحد, وهو أن يكون الشاج قد جرح المشجوج موضحة ومتلاحمة فينظر عمق المتلاحمة نصف أنملة علم أن المتلاحمة من رأسه هي نصف موضحة, فيقتص من رأس الشاج موضحة وينظر عمقها فإن كان أنملة فقد استوفي في عمق جلدة الرأس, فإذا أردنا الاقتصاص من المتلاحمة بعد الموضحة اقتص إل نصف أنملة من جلد رأسه, وإن كان رأس الشاج أرق جلدًا أو لحمًا وكان عمق موضحته نصف أنملة اقتص من متلاحمته ربع أنملة ليكون نصف موضحة كما كانت من المشجوج نصف موضحة, لا يمكن الاقتصاص منها إذا لم ينضم إليها موضحة في الجناية على المشجوج والقصاص من الشاج, وإذا تقدرت المتلاحمة في القصاص إما بالنصف على ما مثلناه, أو بالثلث إن نقص, أو بالثلثين إن زاد تقدر أرشها بقسطها من أرش الموضحة من نصف أو ثلث أو ثلثين, وإذا لم يتقدر المتلاحمة من الموضحة في القصاص لم يتقدر أرشها وكان فيها حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده كما يقدر حكومات سائر الجراح الذي