أحدهما: يقتص منها إذا عادت ثانيةً كما اقتص منها في الأولى، وكذلك لو عادت ثالثةً ورابعةً، لأنه قد أفقد المجني عليه سنه فوجب أن يقابل بما يفقد سنه.
والثاني: لا قصاص فيها لاستيفائه منها وأنه جني دفعةً واحدةً فلم يجز أن يقتص منه أكثر من دفعةً واحدةً، فعلى هذا هل تؤخذ منه ديتها أم لا: على وجهين:
أحدهما: تؤخذ منه الدية لترك سنه عليه.
والثاني: لا يؤخذ بالدية كما لم يؤخذ بالقصاص، لأن لا يجمع بين دية وقصاص.
والفرع الثاني: أن يقتص من سن الجاني بسن المجني عليه، فتعود سن الجاني وتعود سن المجني عليه، فلا قصاص هنا من الثانيةً ولا دية على القولين معًا، لأننا إن قلنا بأن العائدة هبةً مستجدةً فهي هبةً في حق كل واحد منهما، وإن قلنا إنها حادثةً عن الأولى فقد عادت سن كل واحد منهما والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:((ولو قلع له سنًا زائدةً ففيها حكومةً إلا أن يكون للقالع مثلها فيقاد منه)).
قال في الحاوي: أما السن الزائدةً فهي ما زادت على الاثنين والثلاثين سنًا المعدودة التي عيناها من أسنان الفم، وتنبت في غير نظام الأسنان، إما خارجةً أو داخلةً، وتسمى هذه الزيادة سنا ثانيةً، قال الشاعر:
فلا يعجبن ذا البخل كثرة ماله فإن الشغا نقص وإن كان زائدًا
فإذا جني عليها جان فقلعها لم يخل أن يكون للجاني مثلها أو لا يكون، فإن لم يكن له مثلها فلا قود فيها، لعدم ما يماثلها، كما لو قطع نابه ولم يكن له ناب لم يؤخذ به غير الناب، فإذا سقط القصاص في الشاغبةً فعليه فيها حكومةً لا يبلغ بها ديةً سن غير شاغبةً لنقص الأعضاء الزائدة عن أعضاء الخلقةً المعهودةً، وإن كان للجاني سن زائدةً لم يخل من أن تكون في مثل محلها من المجني عليه أو غير محلها، فإن كانت في غير محلها منه مثل أن تكون الزائدة من الجاني مع الأسنان العليا ومن المجني عليه مع الأسنان السفلى أو تكون من الجاني يمنى ومن المجني عليه يسرى، أو تكون من الجاني مقترنة بالناب ومن المجني عليه مقترنةً بالثنية فلا قصاص فيها، لأن اختلاف محلهما يمنع من تماثلهما فإن كانت من الجاني في مثل محلها من المجني عليه ففيها القصاص، لتماثلهما في المحل، وسواء اتفقا في القدر والمنفعةً أو تفاضلا، لتساويهما في الاسم الخاص كما قلناه فيما كان من أصل الخلقة المعهودة.