للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: قد سقط حقه من الاقتصاص منها لاعتقاده استيفاء قصاصه، فعلى هذا يرجع المقتص على مخرج يده اليمنى حالة في ماله، لأنها دية عمد، ويرجع مخرج يده اليسرى على عاقلة المقتص، لأنها دية خطأ، ولا يكونا قصاصا لاختلاف محلهما.

والثاني: أن حقه في الاقتصاص من اليمنى باق لبقائها، وأن الخطأ بغيرها لا يزيل الحق منها، فعلى هذا يكون للمقتص أن يقطع يمين الجاني المخرج ليسراه إذا اندملت اليسرى، لأن لا يوالي عليه بين قطعين فيسري قطعهما إلى تلفه، وهذا بخلاف ما لو استحق عليه قطع يديه فإنه يجوز أن يوالي عليه في الاقتصاص منهما بين قطعهما ولا ينتظر اندمال أولاهما، لأن قطعهما مستحق فلم ينتظر به الاندمال وفي مسألتنا الأولى غير مستحق فانتظر اندماله لاستيفاء المستحق بعده، فإذا اقتص من اليمنى كان على عاقلته دية يسرى الجاني.

وإن قال المقتص القاطع لليسرى علمت حين قطعتها أنها اليسرى. قيل: عليك منها القصاص، لأنك أخذتها عمدًا بغير حق، سواء علم تحريم قطع اليسرى باليمنى أو جهل، فيقتص من يسراه بيسرى الجاني، فأما حقه في الاقتصاص من يمين الجاني فمعتبر بحاله في قطع اليسرى، هل قصد بقطعها القصاص من اليمنى أو لم يقصد بقطعها أن تكون قصاصًا باليمنى؟ فإن لم يقصد قصاصًا باليمنى كان على حقه من الاقتصاص من يمين الجاني، وإن قصد بقطع اليسرى أن يكون قصاصًا من اليمنى، ففي سقوط حقه من الاقتصاص منها وجهان:

أحدهما: قد سقط حقه من قطع اليمنى قصاصا لاعتقاده استيفاء بدله ويكون له على الجاني ديتها.

والثاني: أنه على حقه في الاقتصاص من اليمنى، لأنه لما لم تكن اليسرى بدلًا عنهما واستوفي القصاص لها وجب أن يكون على حقه من القصاص من اليمنى.

فصل:

وإن قال الجاني المخرج ليسراه: أخرجتها باذلا لقطعها الذي أخرج يسراه وكان عليه القصاص في يمناه سئل عن بذلها: هل جعلته بدلا من اليمنى أو غير بدل؟ فإن قال لم أجعله بدلا لعلمي بأنه لا يقتص من يسرى بيمنى قيل فقطع يدك هدر لإباحتك لها، فلا قود لك فيها ولا دية، ويعزر قاطعها زجرًا في حق الله تعالى مع علمه بالحظر، ولا يعذر مع جهله به، ثم يسأل قاطعها هل قطعها قصاصا أو غير قصاص: فإن قال: قطعتها غير قصاص كان على حقه في الاقتصاص من اليمنى بعد اندمال اليسرى، وإن قال: قطعتها قصاصًا من اليمنى، قيل له: علمت أنها اليسرى أو لم تعلم؟ فإن قال: علمت أنها اليسرى صار ذلك عفوًا منه عن قطع اليمنى فسقط حقه من الاقتصاص منها، وله ديتها حالة في مال الجاني، وإن قال: ظننتها اليمنى ولم أعلم أنها اليسرى أخرج يسراه وعليه قصاص في يمناه فهل يسقط بذلك حقه من القصاص في اليمنى؟ على ما مضى من الوجهين: أحدهما: لا يسقط وله الاقتصاص منها بعد اندمال اليسرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>