قال في الحاوي: أما الدية من الإبل فمقدرة بمائة بعير وردت بها السنة وانعقد عليها بالإجماع, فإذا وجدت لم يجز العدول عنها على مذهب الشافعي في القديم والجديد, فإن أعوزت إما بعدمها وإما بوجودها بأكثر من ثمن مثلها عدل عنها إلي الدنانير والدراهم التي هي أثمان وقيم دون غيرهما من العروض والسلع, ثم اختلف في كيفية العدول عن الإبل إليها على قولين:
أحدهما: وبه قال في القديم إنها تعتبر في الدنانير والدراهم عن إعواز الإبل بدلًا من النفس, ولا تكون بدلًا من الإبل, فتكون الدية من الذهب ألف دينار, ومن الورق اثني عشر ألف درهم, فتصير الدية على قوله في القديم ثلاثة أصول مقدرة بالشرع دون التقويم.
والقول الثاني: وبه قال في الجديد, إن إعواز الإبل يوجب العدول إلي قيمتها بالدنانير والدراهم ما بلغت بحسب اختلافها في البلدان والأزمان فتكون الدنانير والدراهم بدلًا من الإبل لا من النفس ولا تكون للدية أصلًأ واحدًا وهو الإبل. وقال أبو حنيفة: للدية ثلاثة أصول: مائة بعيرًا او ألف دينار, أو عشرة آلاف درهم, يكون الجاني فيها مخيرًا من دفع أيهما شاء فخالفهم الشافعي في القديم في شيئين:
أحدهما: أنه خير بين الإبل وغيرها, والشافعي لا يخير فيها مع إمكانها.
والثاني: أنه قدرها بالورق عشرة آلاف درهم, والشافعي قدرها اثني عشر ألفًا ووافقه أن الثلاثة بدل من النفس, فأما على قول الشافعي في الجديد فقد خالفه أبو حنيفة في ثلاثة أشياء:
أحدها: التخيير فإنه جعله مخيرًا بين الإبل وغيرها والشافعي لا يخيره.
والثاني: في البدل, فإنه جعل الدراهم والدنانير بدلًا من النفس والشافعي في الجديد يجعلها قيمة تقل وتكثر.
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل: الدية على أهل الإبل مائة بعير, وعلى أهل الذهب ألف دينار, وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم, وعلى أهل البقر مائتي بقرة, وعلى أهل الغنم ألف شاة, وعلى أهل الحلل مائتا حلة, فجعلوا للدية ستة أصول, ونحن نبدأ بتوجيه قول الشافعي, ثم نعدل إلي خلاف أبي حنيفة.
ووجه قول الشافعي في القديم ما رواه عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا من بني عدي قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني شر ألف درهم. وروى الزهري من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أهل اليمن: "أن الرجل يقتل بالمرأة, وعلى أهل الذهب ألف دينار, وعلى أهل