قال الشافعي رضي الله عنه:"أو مال حائطٌ من داره فوقع على إنسانٍ فمات فلا شيء فيه، وإن أشهد عليه؛ لأنه وضعه في ملكه والميل حادثٌ من غير فعله وقد أساء بتركه، وما وضعه في ملكه فمات به إنسانٌ فلا شيء عليه. قال المزني: وإن تقدم إليه الوالي فيه أو غيره فلم يهدمه حتى وقع على إنسانٍ فقتله فلا شيء عليه عندي في قياس قول الشافعي".
قال في الحاوي: وصورتها: في حائط سقط من دار رجل فأتلف نفوسًا وأموالًا فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون الحائط منتصبًا فيسقط عن انتصابه.
والثاني: أن يبنيه المالك مائلًا فيسقط لإمالته.
والثالث: أن يبنيه منتصبًا ثم يميل ثم يسقط لميله.
فأم القسم الأول وهو أن يكون منتصبًا فيسقط عن انتصابه من غير ميل مستقر فيه فلا ضمان عليه فيما تلف به، سواء كان سقوطه إلى داره أو دار جاره أو إلى الطريق السابل؛ لأنه لم يكن منه عدوان يوجب الضمان، وسواء كان في الحائط شق بالطول أو بالعرض وقال ابن أبي ليلى: إن كان شق الحائط طولًا لم يضمن، وإن كان شقه عرضًا ضمن؛ لأن شق العرض مؤذن بالسقوط فصار بتركه مفرطًا، وشق الطول غير مؤذن بالسقوط فلم يصر بتركه مفرطًا، وقد قال الله تعالى فيما حكاه عن موسى والخضر عليهما السلام:{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ}[الكهف:٧٧] ومعنى ينقض: أي يسقط، فلولا ما في تركه من التفريط لما أقامه ولي الله الخضر، ولأقره على حاله لمالكه، وهذا الذي قاله ابن أبي ليلى فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه قد يسقط بشق الطول ويبقى مع شق العرض.
والثاني: أنه ليس شقه عوضًا بأكثر من تشريخ آلة الحائط وتعيينها من غير بناء، وهو لو فعل ذلك فسقط لم يضمن فكان أولى إذا بناه فانشق عرضًا أن لا يضمن، فأما الآية فعنها جوابان:
أحدهما: أن الخضر إما بني مبعوث أو ولي مخصوص على حسب الاختلاف في نبوته قد اطلع على مصالح البواطن على ما خالف ظواهرها ولذلك أنكرها موسى عليه السلام، ولو ساغ في الظاهر ما فعله الخضر لم ينكره موسى فكان في إنكار موسى ي الظاهر لنا دليل، وإن كان في فعل الخضر لابن أبي ليلى في الباطن دليل، والحكم في الشرع معتبر بالظاهر دون الباطن فكان دليلنا من الآية أحج.