أجج في داره نارًا طار شررها لم يضمن ما تلف بها لحدوثه عن سبب مباح، فوجب إذا بني حائطًا فمال أن لا يضمن ما تلف به، وسقوط الضمان في الحائط أولى، لأنه لا يقدر على التحرز من ميله ويقدر على التحرز من شرر النار.
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة أن جواب الشافعي في سقوط الضمان محمول على ميله إلى ملكه، فأما ميله إلى غير ملكه فموجب للضمان، وهذا أصح الوجهين عندي وإن كان الأول أشبه بإطلاق جواب الشافعي، وإنما وجب به الضمان لأمرين:
أحدهما: أنه يؤخذ بإزالة ميله إذا مال بنفسه كما يؤخذ بإزالته إذا بناه مائلًا، فصار بتركه على ميله مفرطًا وببنائه متعديًا، وهو يضمن بالتفريط كما يضمن بالتعدي فوجب أن يستويا في لزوم الضمان.
والثاني: أنه لو أشرع جناحًا من داره أقر عليه وضمن ما تلف به وهو لا يقر على ميل الحائط فكان أولى أن يضمن ما تلف به.
فصل:
فإذا تقرر توجيه الوجهين لم يعتبر في واحد منها إنكار الوالي والإشهاد عليه، وإن قيل بسقوط الضمان لم يجب بإنكار الوالي والإشهاد عليه، وإن قيل بوجوب الضمان لم يسقط إمساك الوالي وترك الإشهاد عليه.
وقال أبو حنيفة: إن أنكره الوالي أو كان ميله إلى الطريق أو الجار وإن كان ميله إلى داره وأشهد عليه ضمن، وإن لم ينكراه ولم يشهدا عليه لم يضمن فصار مخالفًا كلا الوجهين احتجاجًا بأمرين:
أحدهما: أنه يصير بتركه بعد الإنكار والمطالبة متعديًا فلزمه الضمان لتعديه، وهو قبل الإنذار غير متعد فلم يلزمه الضمان لعدم التعدي.
والثاني: أنه لما وقع الفرق في تلف الوديعة بين أن يكون بعد طلبها فيضمن، وبين أن يكون قبل طلبها فلا يضمن، وجب أن يقع الفرق في ميل الحائط بين أن يكون سقوطه بعد مطالبته فيضمن وبين أن يكون قبل مطالبته لا يضمن؛ لأن يده على حائط قد استحق عليه رفعه كما يد المودع على مال قد استحق عليه رده، فوجب أن يستويا في الفرق بين المطالبة والإمساك. ودليلنا شيئان:
أحدهما: أن لا يخلو ميل الحائط من أن يكون موجبًا للضمان فلا يسقط بترك الإنكار، كما لو حفر بئرًا في غير ملكه، أو يكون غير موجب للضمان فلا يجب الإنكار كما لو حفر بئرًا في ملكه، فلم يبق للإنكار تأثير في سقوط ما وجب ولا في وجوب ما سقط.
الثاني: أنه لا يخلو إما أن يكون الإنكار مستحقًا فلا يسقط حكمه بعدمه