والثاني: لا يجب أومأ إليه في الجديد لأنهم جاؤوا مجيء الشهود.
فرع
لو كان في الأربعة عبد أو فاسق [٢٩/أ] فقد ذكرنا ولو كانت الأربعة كلهم فساقًا ففيه طريقان:
أحدهما: أن نقص العدالة كنقص العدد ففي حدهم قولان.
والثاني: لا يحدون قولًا واحدًا وهذا اختيار القاضي أبي حامد وبه قال أبو حنيفة لأن نقص العدد يدرك يقينًا، ونقص العدالة يدرك اجتهادًا والحدود تدرء بالشبهة.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كان الفسق مجتهدًا فيه لا يحدون، وإن كان فسقًا ظاهرًا فيه وجهان، قال هذا القائل: وإن كانوا أعداءً للمشهود عليه لا يحدون لأنه كالفاسق المجتهد في فسقه، وقال القاضي أبو حامد: هذا إذا كان أحدهم عبدًا أو محدودًا في القذف هو بمنزلة الفسق لأنه يدرك اجتهادًا، وقيل: إنه بمنزلة نقص العدد قولًا واحدًا لأنه أمر ظاهر يستسر به بخلاف الفسق. وقيل: إن كانوا عبيدًا أو كفارًا يحدون قولًا واحدًا لأنهم تيقنوا أنا لا نقبل بشهادتهم فمجيئهم مجيء القذفة، وكذلك لو كن نسوة، وإن كان أحدهم عبدًا أو كافرًا فإن قلنا: لا يجب الحد عليه لا يجب علي أصحابه، وإن قلنا: يجب الحد عليه ففي أصحابه قولان نقص العدد، وإن كان أحدهم صبيًا أو امرأة، قال أصحابنا: هذا بمنزلة نقصان العدد.
وأما المسألة الثانية إذا شهد أربعة بالزنا فقبل أن يحكم بشهادتهم رجع واحد منهم لا يجب الحد علي المشهود عليه، ويجب الحد علي الراجع لأنه قذفه لأنه إن قال: تعمدت [٢٩/ب] فهو قاذف وإن قال: أخطأت فهو مفرط كاذب، وقال القاضي الطبري: عندي علي لزومه الحد قولان لأنه أضاف الزنا إليه بلفظ الشهادة عند الحاكم فأشبه إذا شهد واحد وحده والأول أولى لأنه اعترف بالكذب فبطل حكم لفظ الشهادة بخلاف الواحد، وأما الثلاثة الآخرون نص الشافعي علي أنهم لا يحدون. والفرق بين هذه المسألة والمسألة التي قبلها أن هنا تكامل العدد فانتفي عنهم وصف القاذفين بكمال عددهم فلما رجع واحدٌ منهم صار هذا الراجع موصوفًا بوصف القاذفين، وهناك لم ينف وصف القاذفين عن الثلاثة لأن عددهم لم يتكامل حتى يتم وصف البينة فلهذا يحدون ويؤكده أن هناك ما وجب الحد في الظاهر علي المشهود عليه وإنما سقط الحد لمعنًى طرأ بعد وجوبه فافترقا، وقال القاضي أبو حامد: من جلد الأربعة إذا كانوا فساقًا فقياسه أن يحد هؤلاء أيضًا، ومن أصحابنا من أطلق وقال: فيه قولان أيضًا وهذا ضعيف لأنه نص أنهم يحدون في هذه المسألة مع نصه علي حدهم عند نقصان العدد، وقال أبو حنيفة: يحدون لأنه انتقص العدد فصار كما لو كان ناقصًا في الابتداء وهو الأصح والفرق ظاهرة.