للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأدركوا الذي استغاثت به وسبقهم الآخر فذهب فجاءوا به يقودونه عليها فقال: أنا الذي أغثتك وقد ذهب الآخر فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه وقع عليها وأخبره القوم أنهم أدركوه يشتد فقال: إنما كنت أغثتها على صاحبها فأدركوني فأخذوني قال: كذب هو الذي وقع عليَّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به فارجموه" فقام رجل من الناس فقال: لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت هذا الفعل فاعترف فاجتمع ثلاثةٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقع عليها والذي أجابها [١٠١/أ] والمرأة فقال: "أما أنتَ فقد غفر لك" وقال للذي أجابها قولًا حسنًا فقال عمر رضي الله عنه: أرجمُ الذي اعترف بالزنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا، لأنه قد تاب توبةً لو تابها أهل المدينة، أو أهل يثرب لقبل منهم" فأرسلهم، وقيل: إنه يحتمل أنه أمر بتعزيره دون الرجم الحقيقي ويحتمل أنهم شهدوا عليها بالزنا خطأ فلذلك لم يرجمه ولأنه حد الله تعالى فيسقط بالتوبة كحد قاطع الطريق، والقول الثاني: لا يسقط بالتوبة وبه قال أبو حنيفة لأنه لا يختص بالمحاربة فأشبه حد القذف ولأنه تاب في قبضة الإمام فأشبه حد قاطع الطريق بعد القدرة.

وأما في غير المحارب لا تسقط حدود الله تعالى بمجرد التوبة، ولكن لو تاب وأصلح عمله ومضت مدةٌ على ذلك هل تسقط التوبة بعد إصلاح العمل؟ فيه قولان ففي المحارب لا يشترط إصلاح العمل وفي غيره يشترط ذلك، والفرق أن المحارب معاندٌ فإذا تاب حملت توبته على أنها من قبله واعتقاده لا للتقية وغير المحارب في قبضة الإمام فالظاهر من حاله إظهار التوبة للتقية فلا يسقط عنه بمجرد التوبة حتى يصلح عمله.

وأما المختلف فيه: فقطع اليد بأخذ المال فيه وجهان: أحدهما: أنه لا يختص بالمحاربة وإنما هو القطع في السرقة غلظ بضم قطع الرجل إليه بدليل أنه يعتبر أن يخص كل واحدٍ ربع دينارٍ وبه قال أبو إسحاق، والثاني: أنه يختص بالمحاربة [١٠١/ب] كقطع الرجل لا فرق بينهما وبه قال صاحب "الإفصاح" لأنه أخذ مالًا على سبيل المجاهرة وهذا لا يوجب القطع إلا في المحاربة فكان ذلك مما يختص بالمحاربة. والأول: الصحيح المشهور، والثاني: أقيس وهو اختيار ابن أبي هريرة وصاحب "الإفصاح" فإذا قلنا: يختص بالمحاربة سقط بالتوبة قبل الظفر قولًا واحدًا، وإذا قلنا: يختص بالمحاربة فهل يسقط بالتوبة بعد الظفر به؟ قولان أيضًا لأن ما يسقط الحد لا فرق فيه بين أن يكون قبل الظفر به وبين أن يكون بعد الظفر كالرجوع عن الإقرار وهذا خلاف نص القرآن العظيم، واعلم أن العلماء اختلفوا في المراد بالتوبة التي ذكرها الله تعالى في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهد وقتادة: إنها الإسلام وهذا قول من زعم أن حدود

<<  <  ج: ص:  >  >>