الحراب وردت في المشركين ومعنى الآية الذين تابوا من شركهم وسعيهم في الأرض فسادًا في الإسلام، ولا يسقط الحد عن المسلم بالتوبة بكل حالٍ، وقال الجمهور منهم: وردت في المسلمين وهي التوبة من معاصي الحدود، واختلفوا في أمان الإمام لهم هل يكون شرطًا في قبول توبتهم؟ فروي عن عليّ رضي عنه أنه شرط، ومن لم يؤمنه الإمام لم تسقط التوبة منه حدًا. وقال الجمهور: لا يعتبر ذلك وإنما يعتبر أن يكون قبل القدرة عليهم وفي صفة القدرة عليهم [١٠٢/أ] ثلاثة أقوال: أحدها: أن تكون بعد لحوقهم بدار الحرب، وإن كانوا مسلمين ثم يعودوا منها تائبين قبل القدرة عليهم فإن لم يلحقوا بدار الحرب لم تؤثر التوبة في إسقاطها وبه قال عروة بن الزبير، والثاني: يكون لهم في دار الإسلام فئة يلتجؤون إليها ويمتنعون بها، فإن لم يكن لهم لم تؤثر التوبة فيها وبه قال ابن عمر وربيعة والحكم، والثالث: وهو قول الجمهور: أن تمتد إليهم يد الإمام بهرب أو استخفاء أو امتناع فيخرجوا عن القدرة عليهم فتؤثر توبتهم فيها حينئذ، واختلف من قال بهذا في رفعه إلى الإمام هل يكون شرطًا في القدرة عليه؟ على قولين أحدهما: أنه لا يكون شرطًا لأنه في الحالين قادر علية، والثاني: أن يكون شرطًا في القدرة عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سارق رداء صفوان: "هلا قبل أن تأتيني به لا عفا الله عني إن عفوت عنه".
مسألة: قال: ولو شهد شاهدان من أهل الوقعة أن هؤلاء عرضوا لنا.
الفصل
إذا شهد شاهدان أن هؤلاء قطعوا علينا الطريق وعلى القافلة وأخذوا متاعنا ومتاعهم لم تجز شهادتهما لأنهما خصمان كما لو شهدا بأن هذا قذفنا وقذف هذا لا تقبل شهادتهما لأنهما خصمان عدوان، فإن قيل: أليس لو شهدا فقالا: نشهد أن هذا قذف أمنا وهذه المرأة تقبل شهادتهما للأجنبية دون أمهما فيجب [١٠٢/ب] أن تقبل شهادتهما لأهل الوقعة دونهما، قلنا: في هذه المسألة قولان: أحدهما: لا تقبل شهادتهما للأم ولا للأجنبية، والثاني: أن تقبل للأجنبية دون الأم، والفرق أن هناك ردت الشهادة للأم للتهمة وهي تخص الأم دون الأجنبية فبعّضنا الشهادة فقبلناها للأجنبية دون الأم وهنا ردت الشهادة للخصومة والعداوة وهذا المعنى لا يخص شهادتهما لأنفسهما دون غيرهما فإن شهادة العدو لا تقبل على العدو بحال.
فإذا تقرر هذا نقول: قال الشافعي: ويسعهما أن يشهدا بأن هؤلاء عرضوا لهم ففعلوا بهم كذا وكذا ونحن ننظر قال أصحابنا: وهكذا قالوا عرضوا لنا ونالوا هؤلاء بالجرح وأخذ المال قبلت شهادتهم لأنهم ليس في قولهم: عرضوا لنا ما يوجب الخصومة والعداوة، وقال الشافعي: وليس للإمام أن يقول: هل نالكم وأخذ منكم؟ ألا