مؤكدًا، وقال بعض أصحابنا المتأخرين: تحريمها بقوله تعالى في سورة الأعراف والإثم لما فيها من صريح التحريم، وقال قتادة وهو قول الأكثرين تحريمها بالآية التي في المائدة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}[المائدة: ٩١] الآية.
وروي أنه لما نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين شربوها وماتوا؟ فأنزل الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}[المائدة: ٩٣] أراد من المباحات غير المحرمات. وقيل: من الخمر قبل التحريم [١٠٨/أ] إذا ما اتقوا في باقي أمر الله تعالى بالقول، وقيل في أداء الفرائض: وآمنوا يعني بالله ورسوله وعملوا الصالحات أي البر والمعروف ثم اتقوا وآمنوا فيه وجهان: أحدهما: المخاطب بها غير الذي خوطب بالتقوى الأولى وإن الأولى لمن شربها قبل التحريم، والثانية لمن شربها بعد التحريم، والثانية لمن شربها بعد التحريم فكرر ذكرها لاختلاف المخاطب، والثاني: المخاطب بهما واحد وكرر ذلك لاختلاف المراد بها وفيه وجهان: والثاني: المخاطب بهما واحد وكرر ذلك لاختلاف المراد بها وفيه وجهان: أحدهما: المراد بالأولى فعل الطاعات، وبالثانية اجتناب المعاصي، والثاني: المراد بالأولى جملة الفرائض، والثانية عمل النوافل {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} أي في هذه التقوى، وفي الثالثة ثلاثة أوجه: أحدهما: بالإقامة على التقوى، والثاني: توفي الشبهات. والثالث: إنابة المحسن والعفو عن المسيء، وحكي عن الحسن وطائفة المتكلمين: أنها تحرم إذا كانت صرفًا ولا تحرم إذا مزجت بغيرها وهذا غلط لأنه يؤدي إلى إبطال مقصود التحريمولجاز شربها إذا ألقي فيها عود ونحو ذلك، فإذا تقرر هذا فمن شرب الخمر يلزمه الحد بلا خلاف قليلًا كان أو كثيرًا، ويفسق شاربها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا فاقتلوهم" وقد صار القتل منسوخًا وروي قبيصة [١٠٨/ب] ابن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الخمر فجلده ثم أتي به ثانيًا فجلده، ثم أتى به ثالثًا فجلده، ثم أتي به رابعًا فجلده أربع مرات وقد قال الشافعي: لا أعلم في هذا خلافًا من أهل الفتيا، وإن أتي به خامسًا أو سادسًا فيجد أبدًا، ولا يقتل، ولو تكررت منه الشرب قبل إقامة الحد لم يحد إلا مرة لأن حدود الله تعالى تتداخل.
ثم اعلم أن الخمر المتفق على تحريمها هي: عصير العنب الذي اشتد وقذف زبده وهكذا إن أغلي واشتد حتى أسكر، وبه قال أبو يوسف ومحمد وقد ذكرنا عن أبي حنيفة أنه يشترط أن يزبد وأما ما عداها من الأشربة مطبوخًا كان أو نيئًا لا فرق بين شيء من ذلك هنا في الحكم وبه قال عمر وعلي وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وسعد ابن أبي وقاص وعائشة رضي الله عنهم ومالك والأوزاعي وأحمد